منهم ذلك.
وقوله : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ).
يخبر ـ عزوجل ـ عن غاية سفههم وتعنتهم وأنهم على (١) علم يعاندون ويتكبرون على رسول (٢) الله [لأنهم علموا أن ما نزل على رسول الله آية ، وأنه رسول حيث قالوا : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله وعلموا أن الرسالة لا تجعل إلا في المعظم عند الله والمفضل لديه حيث تمنوا أنهم لا يؤمنون حتى يؤتوا من الآيات مثل ما أوتي رسل الله](٣) ولو لم يكن كذلك لم يكونوا (٤) يتمنون إيتاء ما أوتي الرسل ، وعلموا أن هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم آية وحجة ، وأنه من عند الله نزل ؛ حيث قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، وعلموا ـ أيضا ـ أن الرسالة لا تجعل إلا في عظماء من البشر وكبرائهم ؛ حيث قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] لكنهم ظنوا أنها إنما تجعل في العظماء الذين هم عند الخلق عظماء ؛ فقال الله ـ تعالى ـ : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فتناقضت أقاويلهم وحجاجهم بما ذكرنا من إقرارهم بالرسل والآيات ، وتفضيلهم على غيرهم من البشر ثم قال : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).
جملة جواب ما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] على أن يقال : إنكم عرفتم أن الله عالم قادر ؛ فهو أعلم حيث يجعل رسالته. ثم اختلف في قوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) :
قال بعضهم : جعل الرسالة في أوساط الناس أظهر للحجج وأبين من جعلها في أكابر الناس وعظمائهم في الدنياوية ؛ لأن الناس مجبولون على اتباع الأكابر والأعاظم ؛ فلو جعلت الرسالة فيهم لكانت الحجج لا تظهر ؛ لأنهم جبلوا على اتباعهم ، وأما أوساط الناس في الدنياوية : إذا جعلت فيهم الرسالة لظهرت الحجج والبراهين ؛ لأنهم لم يجبلوا على اتباع الأوساط من الناس ؛ فكان اتباعهم للحجج والبراهين.
وقال بعضهم (٥) : قوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [أي لا تجعل الرسالة فيمن
__________________
(١) في ب : عن.
(٢) في أ : رسل.
(٣) سقط في أ.
(٤) زاد في أ : كذلك.
(٥) ينظر تفسير ابن جرير (٥ / ٣٣٥) ، والقرطبي (٧ / ٥٣) ، والخازن (٢ / ٤٤٠).