إن للدنيا معنيين : ظاهرا وباطنا ، فيكون للظاهر (١) غرور من كان نظره [إلى الظاهر](٢) يغره ، ولها باطن ومن نظر إلى ذلك الباطن يعظه.
أما ظاهرها : من تزيينها ، وزخرفها فالكافر نظر إلى ظاهرها فاغتر بها.
وأما باطنها : فهو انتقالها من حال إلى حال وزوالها وفناؤها فمن نظر إلى ذلك اتعظ به ويعلم معناها ويعرف أنه لم يخلق (٣) لهذه ولكن لعاقبة تتأمل. ثم إضافة الغرور إليها ، أي : يكون منها ما لو كان ذلك من ذي عقل وذهن كان ذلك غرور.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
هذا اعتراف بما كان منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ).
يحتمل قوله : (ذلِكَ) ما تقدم من قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) ، وقوله ـ عزوجل ـ : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، ونحوهما من الآيات التي ذكر فيها العذاب.
ويحتمل ذلك إشارة إلى الهلاك الذي كان بالأمم الخالية : أن لم يكن يهلك القرى بظلم ظلموا أنفسهم إهلاك تعذيب واستئصال إلا بعد [ما](٤) يقدم الوعيد لهم في ذلك وسؤال (٥) كان منهم بالعذاب ، ولا يهلك ـ أيضا ـ وهم غافلون عن الظلم والعصيان ، لا أنه لا يسعه ؛ ولكن سنة فيهم ألا يهلك إلا بعد تقدم ما ذكرنا ؛ لئلا يحتجوا فيقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص : ٤٧] ، وإن لم يكن لهم الاحتجاج بذلك لما مكن لهم وركب فيهم ما به يعرفون (٦) أنه لم يخلقهم ليتركهم سدى ؛ ولكن خلقهم لعاقبة ، لكن سنته قد مضت في الأمم الماضية : [أنه](٧) لا يهلك قوما إهلاك تعذيب واستئصال إلا بعد ما يسبق منه وعيد وإنذار ، والعلم لهم بالظلم ، وظهور العناد منهم والمكابرة ، والسؤال بالعذاب سؤال تعنت ، وذلك منه فضل ورحمة ، لا أنه لا يسعه ذلك.
__________________
(١) في أ : الظاهر.
(٢) في أ : إليه.
(٣) في ب : لم تخلق.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : سؤالهم.
(٦) في ب : ما يعرفون.
(٧) سقط في أ.