ولم يذكر الرسل ، ومرتبة النذر دون مرتبة الرسل ، كرتبة الأنبياء من الرسل ، ولكن يجوز أن يقوي (١) الرسل ـ وإن كان من الإنس ـ على الإظهار لهم ، وليس فيما يسترون (٢) عنهم منع بعث الرسل إليهم من الإنس ، وليس لنا إلى معرفة هذا حاجة ؛ إنما الحاجة إلى معرفة الآيات والحجج التي يأتي [بها] الرسل ، وقد عجز الخلائق جميعا عن إتيان مثل هذا القرآن ؛ لقوله (٣) : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [الإسراء : ٨٨] : فقد أعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وإن كان الجن أقوى على الأشياء (٤) من الإنس ؛ فدل أنه آية ودل عجز الجن عن ذلك وإن كانوا أقوى على أن غيرهم أعجز.
ألا ترى : أنه أنزل هذا القرآن على لسان العرب ثم عجزوا هم عن إتيان مثله ؛ فدل عجزهم عن ذلك على أن العجم (٥) له أعجز.
وجائز أن يكون الرسل إن كانوا من الإنس فإن الجن يستمعون من الرسل ؛ فيلزمهم الحجة والعمل بذلك والتبليغ إلى قومهم ، من غير أن يعلم الرسل بذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي).
يحتمل يتلون عليكم آياتي ، ويحتمل : (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) يبينون لكم [ما في آيات وحدانيته وألوهيته](٦) وآيات البعث الذي تنكرون.
(وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، أي : لقاء يومكم الذي تلقون ودل قوله : (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) على أن ذلك إنما يقال لهم في الآخرة.
(قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا).
هذا منهم إقرار لما كان منهم من التكذيب ؛ كقوله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك : ١١] ، أي شهدنا على أنفسنا بأنا كنا كذبنا الرسل في الدنيا بما قالوا وأخبروا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
__________________
(١) في أ : يقول.
(٢) في ب : يستترون.
(٣) في ب : كقوله.
(٤) في ب : أشياء.
(٥) يقال عجم فلان عجمة كان في لسانه لكنة ويقال كذلك : عجم الكلام إذا لم يكن فصيحا ، فهو أعجم وهي عجماء ، والعجم خلاف العرب ، الواحد : عجمي ، نطق بالعربية أو لم ينطق. ينظر المعجم الوسيط (١ / ٥٨٦) (عجم).
(٦) في ب : آياته آيات الوحدانية والألوهية.