إلى هذا كله يذهب أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ ويوجب الصدقة في قليل الخارج من الأرض وكثيرة (١).
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل الحق الذي ذكره الله في قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) :
قال قوم (٢) : هي صدقة سوى الزكاة ؛ واحتجوا بأن الآية مكية (٣) ، وأن الزكاة فرضت
__________________
ـ أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ، أو تبيعة جذعا ، أو جذعة ـ الحديث ـ لكنه من طريق بقية عن المسعودي ، وهو ضعيف كما تقدم ، وقال البيهقي : طاوس وإن لم يلق معاذا إلا أنه يماني ، وسيرة معاذ بينهم مشهورة.
(١) وهو قول للشعبي وللنخعي في رواية.
ينظر : أحكام القرآن للجصاص (١ / ١٨٥) شرح المهذب (٥ / ٤٨٧).
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥) (١٣٩٨٨) عن محمد بن جعفر عن أبيه ، (١٣٩٩٣) عن عطاء ، (١٣٩٩٦ ، ١٤٠٠١) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٩٣) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي ، ولابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن أبي العالية.
(٣) قال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ : الذي علمناه على الجملة من القرآن أن منه مكيّا ومدنيّا ، وسفريّا وحضريّا ، وليليّا ونهاريّا وسمائيّا وأرضيّا ، وما نزل بين السماء والأرض ، وما نزل تحت الأرض في الغار.
وقال ابن النقيب في مقدمة تفسيره : المنزل من القرآن على أربعة أقسام : مكي ، ومدني ، وما بعضه مكي وبعضه مدني ، وما ليس بمكي ولا مدني.
اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة :
أشهرها : أن المكي ما نزل قبل الهجرة ، والمدني ما نزل بعدها ؛ سواء نزل بمكة أم بالمدينة ، عام الفتح أو عام حجة الوداع ، أم بسفر من الأسفار. أخرج عثمان بن سعد الرازي بسنده إلى يحيى ابن سلام ، قال : ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة فهو من المكي ، وما نزل على النبي صلىاللهعليهوسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني ، وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحا.
الثاني : أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدني ما نزل بالمدينة. وعلى هذا تثبت الواسطة ، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني. وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم ، عن عفير بن معدان ، عن ابن عامر عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة : مكة ، والمدينة ، والشام» قال الوليد : يعني بيت المقدس. وقال الشيخ عماد الدين بن كثير : بل تفسيره بتبوك أحسن.
قلت : ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية ، وفي المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع.
الثالث : أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة ، والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ، وحمل على هذا قول ابن مسعود الآتي.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار : إنما يرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين ، ولم يرد عن النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك قول ؛ لأنه لم يؤمر به ، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة ، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ، فقد يعرف ـ