بالمدينة (١) ، وهي منسوخة بآية الزكاة.
وقال قوم (٢) : هي الزكاة ، فإن نسخ إنما نسخ قدرها ، لم ينسخ الحق رأسا ؛ لأنهم كانوا يتصدقون بالكل ، فما (٣) نسخ إنما نسخ بآية الزكاة قدرها.
ألا ترى أنه قال في [آية](٤) أخرى : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
والإسراف في اللغة (٥) هو المجاوزة عن الحدّ الذي حد له كقوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا
__________________
ـ ذلك بغير نص الرسول. انتهى.
وقد أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال : «والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت».
وقال أيوب : سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال : نزلت في سفح ذلك الجبل ـ وأشار إلى سلع. أخرجه أبو نعيم في الحلية.
ينظر الإتقان في علوم القرآن (١ / ٣٧ ـ ٣٨).
(١) اختلف في أول فرض الزكاة فذهب الأكثرون إلى أنه وقع بعد الهجرة ، وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة. واحتج بقول جعفر للنجاشي : «ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» ويحمل على أنه كان يأمر بذلك في الجملة ، ولا يلزم أن يكون المراد هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول.
قال : ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة ، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف ، وثبت من حديث قيس بن سعد قال : «أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهانا ، ونحن نفعله».
ينظر فتح الباري (٣ / ٢٦٦) ، وروضة الطالبين للنووي (١٠ / ٢٠٦).
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤) (١٣٩٦٥ ، ١٣٩٨٥ ، ١٣٩٨٦) عن الحسن البصري ، (١٣٩٦٦) عن أنس ، (١٣٩٦٩ ، ١٣٩٧٤) عن ابن عباس ، (١٣٩٧٠) عن جابر بن زيد ، (١٣٩٧٢) عن سعيد ابن المسيب ، (١٣٩٧٦ ، ١٣٩٧٧ ، ١٣٩٨٠) عن قتادة (١٣٩٨٣) عن الضحاك.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٩٤) وعزاه لابن أبي حاتم والنحاس وابن عدي والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك ، ولابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، ولابن أبي شيبة وأبي داود في ناسخه والبيهقي عن طاوس.
(٣) في ب : فإن.
(٤) سقط في أ.
(٥) الإسراف : تجاوز الحد في سائر الأفعال ، إلا أنه غلب في الإنفاق. ويقال باعتبارين : باعتبار القدر ، وباعتبار الكيفية. ومنه قول سفيان : «ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا» وقال إياس بن معاوية : «الإسراف : ما قصر به عن حق الله تعالى» وهو ضد القصد. ويقال : فلان مسرف وفلان مقتصد. وقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٣] يتناول الإسراف في الإنفاق وفي سائر الأعمال. وقوله تعالى : فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [الإسراء : ٣٣] نهي عما كانت الجاهلية تفعله من قتل غير القاتل ، بألا يرضى إلا بقتل من هو أشرف منه ، أو بقتل عدد كثير مكان الواحد.
وقيل : سرفه فيه أن يعدل عن طريق القصاص بأن يستحق حز رقبته فيعدل إلى ما هو أشق. وقيل : هو نهي عن المثلة ، والكل جائز. وقوله تعالى : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ـ