وفي الآية دلالة إثبات رسالة محمّد ونبوّته صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنهم كانوا لا يحرمون هذه الأشياء ظاهرا فيما بينهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم نشأ بين أظهرهم منذ كان صغيرا إلى كبره ، وعرفوا أنه لم يختلف إلى أحد عرف ذلك ، ثم أخبر [الله ـ عزوجل ـ](١) [عن حل](٢) ما حرموا وفساد ما صنعوا ؛ ليدلهم أنه إنما عرف ذلك بالله ، وبه علم حل ما حرموا ، وحرمة ما أحلوا ، لا بأحد من الخلائق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [١٤٤].
أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ لأنه هو الذي أنشأهم وأنشأ لهم جميع ما يحتاجون إليه ويقضون حوائجهم ، وبه كان جميع نعمهم التي يتنعمون ويتقلبون (٣) فيها ؛ فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ، فقال : حرم كذا ولم يكن حرم ، أو : أمر بكذا ولم يكن أمر.
ألا ترى : أنه قال ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) [النساء : ٨٧] ، و (قِيلاً) [النساء : ١٢٢] ، فكما لم يكن أحد أصدق منه حديثا ، فعلى ذلك لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا بعد علمه : أنه هو الفاعل لذلك كله ، وهو المنشئ ما ذكر.
وقوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ). في الظاهر استفهام ، ولكن في الحقيقة إيجاب ؛ لأنه لا يحتمل الاستفهام ؛ كأنه قال : لا أحد أفحش ظلما ممن افترى على الله كذبا على الإيجاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
لأنه يقصد بالافتراء على الله قصد إضلال الناس وإغوائهم.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أي : لا يهديهم (٤) وقت اختيارهم الكفر والظلم.
وقيل : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [أي أنهم يختمون](٥) بالكفر.
ويحتمل : لا يهديهم ؛ إذا كانوا هم عند الله ظلمة كفرة ، وإن كانوا عند أنفسهم عدولا على الحق.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : ويقلبون.
(٤) في أ : يهدي.
(٥) سقط في أ.