موجودة ، وفيه الأمر بالمقايسة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
أي : ليس عندهم علم يعلمون ذلك وينبئونه ، ذكر ـ هاهنا ـ (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : في مقالتكم : إنه حرم ، وقال في الآية التي تليها (١) : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) ، أي : بتحريمها ، أي : ليس لكم شهداء على تحريم ما تحرمون : لا من جهة الكتاب ، ولا رسول ، ولا استدلال ؛ لأن العلوم ثلاثة : علم استدلال وهو علم العقل ، وعلم المشاهدة والعيان وهو علم الحس ، وعلم السمع والخبر ؛ فيخبر أنه ليس لهم من هذه العلوم شيء.
أما علم الاستدلال : فلا عقل يدل على تحريم ما حرمتم.
ولا علم مشاهدة ؛ لأنكم لم تشاهدوا الله حرم ذلك.
ولا علم من جهة السمع والخبر ؛ لأنهم [كانوا](٢) لا يؤمنون بالكتب ، ولا صدقوا الرسل فيقولون : أخبرنا الرسل بتحريم ذلك ، أو وجدنا في الكتب حرمتها ، فبهتوا في ذلك وضجروا.
__________________
ـ أن تكون وصفا مناسبا ، ومعنى مناسبته أن يكون مظنة لتحقيق حكمة الحكم ، أي أن ربط الحكم به وجودا وعدما من شأنه أن يحقق ما قصده الشارع بتشريع الحكم من جلب نفع أو دفع ضرر ؛ لأن الباعث الحقيقي على تشريع الحكم والغاية المقصودة منه هو حكمته ، ولو كانت الحكمة في جميع الأحكام ؛ ظاهرة مضبوطة لكانت هي علل الأحكام لأنها هي الباعثة على تشريعها ، ولكن لعدم ظهورها في بعض الأحكام وعدم انضباطها في بعضها أقيمت مقامها أوصاف ظاهرة مضبوطة ملائمة ومناسبة لها ، وما ساغ اعتبار هذه الأوصاف عللا للأحكام ولا أقيمت مقام حكمها إلا لأنها مظنة لهذا الحكم ، فإذا لم تكن مناسبة ولا ملائمة لم تصلح علة للحكم ، فالإسكار مناسب لتحريم الخمر ؛ لأن في بناء التحريم عليه حفظ العقول.
ولهذا لا يصح التعليل بالأوصاف المناسبة التي لا تعقل علاقة لها بالحكم ولا بحكمته كلون الخمر وما شابه ذلك.
ـ ألا تكون وصفا قاصرا على الأصل ، ومعنى هذا أن تكون وصفا يمكن أن يتحقق في عدة أفراد ويوجد في غير الأصل ؛ لأنه الغرض المقصود من تعليل حكم الأصل إلى الفرع ، فلو علل بعلة لا توجد في غير الأصل فلا يمكن أن تكون أساسا للقياس ؛ ولهذا لما عللت الأحكام التي هي من خصائص الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنها لذات الرسول لم يصح فيها القياس ، فلا يصح تعليل تحريم الخمر بأنها نبيذ العنب تخمر ، ولا تعليل تحريم الربا في الأموال الربوية الستة بأنها ذهب أو فضة.
ينظر : البحر المحيط (٥ / ١١١) ، المستصفى (٢ / ٢٨٧ ، ٣٣٥) ، نهاية السول (٤ / ٥٣) ، التحصيل للأرموي (٢ / ٢٢٢) ، حاشية العطار على جمع الجوامع (٢ / ٢٧٢) ، تيسير التحرير (٣ / ٣٠٢).
(١) في ب : تليتها.
(٢) سقط في أ.