للذكور ؛ كقوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) [الأنعام : ١٣٩] ؛ فقال الله ـ عزوجل : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) : يعرفنا المحاجة معهم ، وطلب العلة التي بها (١) حرم ، فقال : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) ، فإن قالوا : حرم الذكر ، فيجب أن كل ذكر محرم ، ثم من الذكور ما يحل ، فتناقضوا في قولهم ، وإن قالوا : حرم الأنثى ، فيجب أن كل أنثى ـ أيضا ـ تكون محرمة ، فإذا لم تحرم كل أنثى ظهر تناقضهم ؛ لأنه لا يجوز أن يجب حرمة شيء أو حله لمعنى ، ثم يرتفع ذلك الحكم والمعنى موجود ، أو حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، فإن كان لهذا ، فيجب أن لكل مشتمل عليه أرحام الأنثيين محرم ، فإذا لم يحرم ذلك [دل أن التحريم لم يكن لهذا](٢).
وفيه دلالة أن الحكم إذا وجب لعلة (٣) ، فذلك الحكم واجب ما دامت العلة قائمة
__________________
(١) في ب : لها.
(٢) سقط في ب.
(٣) اختلفت كلمة العلماء في تعريف العلة :
فقد عرفها المعتزلة بأنها الوصف المؤثر في الأحكام لذاته ، وهذا مبني على رأيهم في التحسين والتقبيح العقليين ، بمعنى أن العقل يمكنه إدراك حسن الفعل أو قبحه ، وهذا مردود عند الأشاعرة.
وعرفها الآمدي بأنها الوصف الباعث على الحكم ، أي المشتمل على حكمة صالحة لأن تكون مقصود الشارع من شرع الحكم ، وذلك مثل جلب المصلحة أو دفع المفسدة. وهذا التعريف لا بأس به.
وعرفها الإمام الرازي بأنها الوصف المعرف للحكم. وهذا ما اختاره.
ويشترط في العلة ما يأتي :
ـ أن تكون وصفا ظاهرا ، ومعنى ظهوره أن يكون محسّا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة ؛ لأن العلة هي المعرف للحكم في الفرع فلا بد أن تكون أمرا ظاهرا يدرك بالحس في الأصل ويدرك بالحس وجوده في الفرع ، وذلك كالإسكار الذي يدرك بالحس في الخمر ويتحقق بالحس من وجوده في الفرع وهو النبيذ مثلا.
لذلك لا يصح التعليل بأمر خفي لا يدرك بحاسة ظاهرة ؛ لأنه لا يمكن التحقق من وجوده ولا عدمه فلا يعلل ثبوت النسب بحصول نطفة الزوج في رحم زوجته ، بل يعلل بمظنته الظاهرة وهي عقد الزواج الصحيح ، ولا يعلل نقل الملكية في البدلين بتراضي المتبايعين ، بل يعلل بمظنته الظاهرة وهي الإيجاب والقبول.
ـ أن تكون وصفا منضبطا ، ويعني انضباطه أن تكون له حقيقة معينة محدودة يمكن التحقق من وجودها في الفرع بحدها أو بتفاوت يسير ؛ لأن أساس القياس تساوي الفرع والأصل في علة حكم الأصل ، وهذا التساوي يستلزم أن تكون العلة مضبوطة محدودة حتى يمكن الحكم بأن الواقعتين متساويتان فيها ، كالقتل العمد العدوان من الوارث لمورثه حقيقة مضبوطة وأمكن تحقيقها في قتل الموصى له للموصي ، والاعتداء في بيع الإنسان على بيع أخيه حقيقة مضبوطة وأمكن تحقيقها في استئجار الإنسان على استئجار أخيه.
ولهذا لا يصح التعليل بالأوصاف المرنة غير المضبوطة التي تختلف اختلافا بينا باختلاف الظروف والأحوال والأفراد ؛ فلا تعلل إباحة الفطر في رمضان للمريض أو المسافر بدفع المشقة ، بل بمظنتها وهو السفر أو المرض. ـ