وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) [١٥٠] الذي تحرمون أنتم من الوصيلة ، والسائبة ، والحامي ، وما حرموا من الحرث والأنعام (فَإِنْ شَهِدُوا). أن الله حرّمه (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ).
كيف قال : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)
دعاهم إلى أن يأتوا بالحجة ، فإذا أقاموها لا تشهد معهم ، لكن هذا ـ والله أعلم ـ أنهم يعلمون أن التحريم إلى الله ، ليس إلى أحد من الخلائق ، فإن شهدوا بأنه حرم ، فلا تشهد معهم ؛ فإنهم شهدوا بباطل.
ويحتمل : أن يكون أمره أن يسألهم شهداء من أهل الكتاب يشهدون لهم بأن الله حرم هذا ؛ لأن هؤلاء كانوا أهل شرك ، وعبدة الأوثان يسألون أهل الكتاب وأهل الرسل يشهدون لهم بذلك ، فإن شهدوا فلا تشهد معهم أي : لا يشهدون (١) لهم بذلك ، فلا تشهد أنت ـ أيضا ـ معهم ؛ على الإخبار أنهم لا يشهدون ؛ وهو كقوله : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ ...) الآية [الحشر : ١٢] ، أخبر عن المنافقين أنهم قالوا : (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ...) [الحشر : ١١] ثم أخبر عنهم أنهم (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ...) الآية ، لكنه أخبر أنهم لا يقاتلون رأسا ، وإلا لو نصروهم لا يولون (٢) الأدبار ؛ فعلى ذلك قوله : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) ؛ لأنهم لا يشهدون ، والله أعلم.
ويشبه أن يسألوا حتى يأتوا بآبائهم حتى يشهدوا ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنا وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها ، وإن الله رضي بصنيع آبائنا ؛ حيث لم يهلكهم ، وتركهم على ذلك ، فيسألون أن يأتوا بأولئك حتى يكونوا هم الذين يشهدون على ذلك ، فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا أبدا ؛ وهو كقوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٢٣] فلا يجدون أبدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
دل أن ما كانوا يحرمون إنما يحرمون بهواهم ، لا بحجة وبرهان.
(وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
__________________
(١) في ب : تشهدون.
(٢) في أ : ليولون.