قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً).
عن عائشة وأبي هريرة (١) ـ رضي الله عنهما ـ قال أحدهما : فتيكم في الكفرة ، وقال الآخر : في أهل الصلاة.
وقيل : هم الحرورية (٢).
وقيل (٣) : هم اليهود والنصارى.
ولكن لا ندري من هم ، وليس بنا إلى معرفة من كان حاجة.
ثم يحتمل وجوها ثلاثة :
يحتمل : فارقوا دينهم حقيقة ؛ لأن جميع أهل الأديان عند أنفسهم أنهم يدينون بدين الله ، لا أحد يقول : إنه يدين بدين غير الله (٤).
ألا ترى أنهم قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] : فهم وإن كانوا عند أنفسهم أنهم يدينون بدين الله ، فهم في الحقيقة فارقوا دينهم ، وليسوا على دين الله.
ويحتمل قوله : فارقوا دينهم الذي أمروا به ودعا إليه الرسل والأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ فارقوا ذلك الدين.
ويحتمل : فارقوا دينهم الذي دانوا به في عهد الأنبياء والرسل بدين الله ، ففارقوا ذلك الدين ، والله أعلم ؛ كقوله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩] ، وكقوله : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٠٦] : كانوا مؤمنين به ، وصاروا شيعا ، أي : صاروا فرقا وأحزابا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤١٤) (١٤٢٦٩ ، ١٤٢٧٠) عن أبي هريرة وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١١٧) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة.
(٢) نسبة إلى حروراء بالكوفة على ميلين منها نزل بها جماعة خالفوا عليّا رضي الله عنه من الخوارج. ويقال : (هو حروري بين الحرورية) ، ينتسبون إلى هذه القرية ، وهم نجدة الخارجي وأصحابه ومن يعتقد اعتقادهم يقال له : الحروري.
ينظر : تاج العروس من جواهر القاموس ـ وزارة الإعلام ـ الكويت (١٠ / ٥٨٨) (حرر).
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤١٣) (١٤٢٦١ ، ١٤٢٦٢) عن مجاهد ، (١٤٢٦٣ ، ١٤٢٦٤ ، ١٤٢٦٨) عن قتادة ، (١٤٢٦٧) عن الضحاك ، (١٤٢٦٥) عن السدي ، (١٤٢٦٦) عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١١٨) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ، ولعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) في ب : بغير دين الله.