من الناس من صرف [تأويل قوله](١) : (لَسْتَ مِنْهُمْ) ، أي : لست أنت من (٢) قتالهم في شيء (٣) ؛ كأنه نهاه عن قتالهم في وقت ، ثم أذن له بعد ذلك ، ثم نسخته آية السيف (٤) ، وهذا بعيد.
ويحتمل : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ، أي : لست من دينهم في شيء ؛ لأن دينهم كان تقليدا لآبائهم ، ودينك دين بالحجج والبراهين ؛ فلست منهم ، أي : من دينهم في شيء.
ويحتمل : (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) ، أي : لا تسأل أنت عن دينهم ولا تحاسب على ذلك ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية [الأنعام : ٥٢].
أو يخرج على إياس أولئك الكفرة عن عود رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى دينهم ؛ كقوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) الآية [المائدة : ٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ).
يحتمل : أي الحكم فيهم إلى الله ؛ ليس إليك ، هو الذي يحكم فيهم.
أو أن يكون أمرهم إلى الله في القتال ، حتى يأذن لك بالقتال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ).
هو وعيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها).
ليس في قوله : (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) إيجاب الجزاء في السيئة ، وفي قوله : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) إيجاب الجزاء ؛ لأنه قال : فله كذا ؛ فيه إيجاب الجزاء ، وإنما إيجاب الجزاء في السيئة بقوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] وغيره من الآيات.
وقد ذكرنا أن إيجاب الجزاء والثواب في الحسنات والخيرات إفضال وإحسان ؛ لأنه قد سبق من الله ـ تعالى ـ إلى كل أحد من النعم ما يكون منه تلك الخيرات جزاء لما أنعم عليه وشكرا له ، ولا جزاء للجازي إلا من جهة الإفضال والإكرام.
وأما جزاء السيئة فمما توجبه الحكمة ؛ لما خرج الفعل منه مخرج الكفران لما أنعم
__________________
(١) في أ : تأويله.
(٢) في أ : في.
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤١٤) (١٤٢٧٢) عن السدي وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١١٨) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٤) وذلك في سورة التوبة (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٥].