والصحة ، والسقم ، وفي العز ، والذل ، وفي كل شيء ، وفي الصغر ، والكبر ؛ ليكون لهم في ذلك عبر ودليل على معرفة منشئهم وخالقهم ؛ لأنه لو أنشأهم جميعا معا ـ لم يعرفوا أحوال أنفسهم وتغيرهم من حال إلى حال ، [ولكن أنشأهم واحدا بعد واحد وقرنا بعد قرن ؛ ليعرفوا أحوال أنفسهم وانتقالهم من حال إلى حال](١) ؛ ليعرفوا أن منشئهم واحد ؛ لأنهم لو كانوا جميعا معا ـ لم يعرفوا مبادئ أحوالهم من حال نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم من حال الصغر إلى حال الكبر ، وكذلك هذا في جميع الأحوال : من الغنى (٢) والفقر ، والصحة ، والسقم ، ولو كان كله على حالة واحدة ـ لم يعرفوا ذلك ، لكن جعل بعضهم خلائف بعض ؛ ليدلهم على ما ذكرنا.
ويحتمل ما قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : إنهم صاروا خلف الجان (٣) ، فالأول يكون في بيان صحبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحسن المعاملة معه.
والثاني في بيان وحدانية الربّ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ).
يحتمل هذا في الأحوال ، ويحتمل في الخلقة جعل لبعض فضائل ودرجات على بعض ، وجعل بعضا فوق بعض بدرجات في الدنيا ؛ ليكتسبوا لأنفسهم في الآخرة الدرجات والفضائل ، على ما رغبوا في الدنيا في فضائل الخلقة ودرجات بعضها (٤) فوق بعض ، ونفروا في الدون من ذلك ؛ ليرغبهم ذلك في اكتساب الدرجات في الآخرة ، وينفرهم عن اكتساب ما ينفرون عنه في (٥) الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ).
يحتمل : ليبلوكم فيما آتاكم من الأحوال المختلفة : من الفقر والغناء ، والسقم والصحة ، والصغر والكبر ، وغير ذلك من الأحوال.
ويحتمل : (فِي ما آتاكُمْ) من النعم ، أي : ليبلوكم بالشكر على ما آتاكم من النعم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ).
__________________
...................................... |
|
فلا فقر يدوم ولا غناء |
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : الغناء.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر المحيط بنحوه (٤ / ٢٦٣).
(٤) في أ : بعض.
(٥) في ب : من.