أنزل مما وصف قوله : (كهيعص) [مريم : ١] ، و (طسم) [الشعراء ، القصص : ١] ، و [(المص)](١) و (الر) [يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر : ١] وما أشبهها.
فقال : (المص).
ليعطف بها على النظر فيما بعدها.
ثم ابتدأ فقال : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ).
يقول : كتاب من ربك ؛ لتنذر به عباده.
(فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ).
يقول : فلا يضيقن صدرك عن الذي فرض الله عليك فيه من البلاغ إلى قومك ، وبما فرض عليك من البراءة منهم ، وممّا يعبدون من دون الله ؛ فكأن الرسول صلىاللهعليهوسلم يخاف ما خافت الرسل من بين يديه ، فقال موسى : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤] وقد كان يعرف قومه بالتسرع إلى القتل فيما ليس مثل ما يأتيهم به ، فأمنه الله منهم بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، وقال في آخر هذه السورة : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) [الأعراف : ١٩٥] : يفهمونها عن الله ـ تعالى ـ فإنها من أعظم آيات الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم أعلمه أنهم لا يصلون إلى ما يخاف منهم. وفي الأثر (٢) أن الله ـ تعالى ـ لما أرسله إلى قومه ، فقال : «أي رب إذا يثلغوا (٣) رأسي فيذروه مثل خبزة» فأمنه الله ـ تعالى ـ من ذلك ، فقال : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) من البلاغ ، ولا يضيقن صدرك بما (٤) فرض الله عليك من العبادة والحكم الذي تخالف فيه قومك.
ثم وصف الكتاب فقال : (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
يقول : يتذكرون بما فيه ويتدبرونه فيعلمون به الحق من الباطل ، ويذكرون به ما فرض عليهم.
ويحتمل أن تكون هذه الحروف المقطعة خطابا خاطب الله بها رسله يفهمونها لا
__________________
ـ ثانيها : تقليد الهدي بجعل شيء في رقبته ؛ ليعلم أنه هدي.
ثالثها : تقليد التمائم ونحوها.
رابعها : التقليد في الدين ، وهو الأخذ فيه بقول الغير مع عدم معرفة دليله. أو هو العمل بقول الغير من غير حجة.
ينظر : لسان العرب (قلد) ، ومختار الصحاح (قلد) ، وروضة الناظر لابن قدامة (٢ / ٤٤٩).
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه مسلم (٦٣ / ٢٨٦٥) عن عياض بن حمار المجاشعي بنحوه.
(٣) في ب : قطعوا.
(٤) في ب : عما.