وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها).
قال أهل التأويل : [كان](١) يخوف أهل مكة بتكذيبهم الرسول بإهلاكه الأمم الخالية بتكذيبهم الرسل ، بقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ؛ بتكذيبهم الرسل ، فأنتم يأهل مكة تهلكون بتكذيبكم الرسول ، [وإن كانوا لا يعرفون هم إهلاك الأمم الماضية أنه إنما أهلكوا بتكذيبهم الرسل ، غير أنهم](٢) وإن كانوا لا يعرفون هم ذلك بأنفسهم ؛ لما ليس عندهم كتاب ـ لكن يصلون إلى علم ذلك بمن عندهم الكتب ـ وهم [أهل] الكتاب ـ فيلزمهم الحجة ، كالعجم وإن كانوا لا يعرفون الكتاب الذي أنزل بلسان العرب ، فإن الحجة تلزمهم بذلك ؛ لما كان لهم سبيل الوصول إلى علم ذلك بالعرب ؛ فعلى ذلك هؤلاء ، وإن لم يكن عندهم علم بإهلاك أولئك ؛ فتلزمهم الحجة بإعلام أهل الكتاب إياهم.
وفي الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه أخبر عن إهلاك الأمم الخالية بتكذيبهم الرسل ، وهو لم ينظر في كتبهم ، ولا اختلف إليهم ليعلموه عن ذلك ، ثم أخبرهم بذلك ، فدل أنه إنما عرف ذلك بالله عزوجل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ).
قال أبو بكر الكيساني : البأس هو كل أمر معضل شديد من المرض والجرح وغيره ، ويقول : روي عن عمر أنه (٣) لما طعن قيل له : لا بأس عليك ، فقال : إن كان في القتل بأس كفى بذلك (٤).
وأما غيره من أهل التأويل (٥) فقالوا : البأس : العذاب ، «وبأسنا» : عذابنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ).
البيات : بالليل (٦) ، والقيلولة : بالنهار عند الظهيرة (٧) ، وهما وقتا الغفلة أو وقتا الأمن.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : روي أن عمر.
(٤) أخرجه البخاري (٣٧٠٠) في سياق طويل في قصة قتل عمر بن الخطاب من طريق عمرو بن ميمون بنحوه.
(٥) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٠).
(٦) البيات : قصد العدو ليلا ، وكذلك التبييت ، قال تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤]. وبيت العدو. التبييت : تدبير الأمر ليلا ، وأكثر ما يكون في المكر ، قال تعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) [النساء : ١٠٨] (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) [النساء : ٨١] ، (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) [النساء : ٨١] وبيت على كذا : عزم عليه قاصدا له ، ومنه : «لا صيام لمن لم يبيت الصيام» من أول الليل ، وقوله تعالى : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [النمل : ٤٩] من ذلك ، أي : لنوقع به الهلاك.
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٢٧٩). ـ