يقول : ـ والله أعلم ـ (خَلَقْناكُمْ) : أى قدرناكم جميعا من ذلك الأصل و (١) الكيان ، ومنه صورناكم ، (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) أي : وقد قلنا للملائكة (اسْجُدُوا لِآدَمَ) وذلك جائز في اللغة.
وقد يقول بعض أهل الكلام : إن النطفة هي إنسان بقوة ، ثم تصير إنسانا بفعل.
ويقول بعضهم : هي كيان الإنسان ، فجائز أن يكون إضافته إلى ذلك الطين كما هو كيان وأصل لنا.
وقوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) قال الحسن (٢) : إبليس لم يكن من الملائكة ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ وصف الملائكة جملة بالطاعة له والخضوع بقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] وقال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] وغيره من الآيات ولم يكن من إبليس إلا كل سوء (٣) ، وقال أيضا : خلق الملائكة من نور وإبليس من نار على ما ذكر ، والنار ليست من جوهر النور ؛ دل أنه ليس من الملائكة.
وقال في (٤) قوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) : مثل هذا يجوز أن يقال : دخل هذه الدار أهل البصرة إلا رجلا من أهل الكوفة ، دل الاستثناء على (٥) أن دخل [هنالك](٦) أهل الكوفة ؛ فعلى ذلك يدل استثناء إبليس على أن [كان هناك](٧) أمر بالسجود لآدم لغير الملائكة أيضا ، ولكن ليس لنا إلى معرفة ذلك فائدة : أنه كان من الملائكة أو من غيره ، إنما علينا أن نعرف أنه عدوّ لنا ، وقد ذكرنا هذا فيما سبق (٨).
وقوله عزوجل : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) قيل : قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي : ما منعك أن تسجد على ما ذكر في آية أخرى و [لا زائدة](٩).
وقوله عزوجل : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ...) بم علم عدو الله أن المخلوق من النار خير من المخلوق بالطين إلا أن يقال بأن النار جعلت لمصالح الأغذية ،
__________________
(١) في ب : في.
(٢) ينظر : اللباب (٩ / ٢٨ ـ ٢٩) ، وتفسير الرازي (١٤ / ٢٧).
(٣) في أ : شر.
(٤) في ب : من.
(٥) في أ : ألا.
(٦) سقط في ب.
(٧) في أ : قال هنالك.
(٨) في أ : تقدم.
(٩) في ب : إلا فائدة.