فمن هنا وقع له ذلك أنها خير من الطين ، فيقال : إن النار وإن جعلت لصلاح الأغذية ؛ فالطين جعل لوجود الأغذية فالذي جعل لوجود (١) الشيء هو أنفع وأكبر مما جعل لمصالحه ، ولعل الأغذية تصلح للأكل بغيرها بالشمس وغيرها.
وبعد فإن الطين مما يقوم للنار ويطفئها ويتلفها ، والنار لا تقوم للطين ولا تتلفه ؛ فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يقع من هذا الوجه أنها أفضل وأخير من الطين.
ثم اختلف في الجهة التي كفر عدو الله إبليس :
قال بعضهم : إن إبليس عدو الله لم ير [لله على نفسه](٢) طاعة بأمر السجود لآدم ؛ لذلك كفر.
وقال آخرون : إنما كفر عدو الله لما لم ير الأمر بالخضوع والطاعة ممن (٣) فوقه لمن دونه حكمة ؛ فكفر (٤) لما لم ير أنه وضع الأمر بالسجود موضعه ، بل رآه لعنه الله واضعا [أمرا في](٥) غير موضعه.
وقال غيرهم : كفر عدو الله بالاستكبار والتكبر على آدم لا لمعنى آخر.
وقيل (٦) : أول من أخطأ في القياس وزلّ فيه إبليس لعنه الله.
وقوله عزوجل : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) اختلف فيه :
قال بعضهم (٧) : قوله : (فَاهْبِطْ مِنْها) ، يعني من السماء ؛ لأنه لعنه الله كان في السماء ، فأمر بالهبوط منها ؛ لما جعل السماء معدنا ومكانا للخاضعين المتواضعين ، فأمر بالهبوط منها إلى مكان جعل ذلك المكان مكان الخاضعين والمتكبرين جميعا وهي الأرض ، والأرض معدن الفريقين جميعا.
وقال بعضهم (٨) : الأمر بالهبوط منها أمر بالخروج من الأرض إلى جزائر البحور (٩) ؛ لأن الأرض هي قرار أهلها وجزائر البحور (١٠) ليست مكان قرار لأحد ؛ ليكون فيها على
__________________
(١) في ب : بوجود.
(٢) في أ : لنفسه.
(٣) في أ : من.
(٤) في ب : تكثر.
(٥) في أ : أمره.
(٦) ينظر : تفسير البغوي (٢ / ٤٨٦) ، واللباب (٩ / ٣٤).
(٧) ينظر تفسير البغوي (٢ / ٤٨٦) ، واللباب (٩ / ٣٦) ، ونسبه الرازي (١٤ / ٣٠) إلى بعض المعتزلة.
(٨) ينظر اللباب (٩ / ٣٦).
(٩) في ب : البحر.
(١٠) في ب : البحر.