بَرِيءٌ مِنْكُمْ) [الأنفال : ٤٨] لو كان الوقت الذي أنظره معلوما عنده ، لكان (١) لا يخاف الهلاك بدون ذلك الوقت ؛ دل أنه كان غير معلوم عنده.
وقوله عزوجل : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
قال الحسن : قوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) ، أي : بما لعنتني (٢).
والإغواء هو اللعن كقوله (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الحجر : ٣٧] أى : من الملعونين ؛ فيعني ذلك قوله (أَغْوَيْتَنِي) أي : لعنتني. وقال أبو بكر الكيساني : أضاف الإغواء إلى نفسه ؛ لما كان سبب ذلك منه ، وهو (٣) الأمر الذي أمره بالسجود لآدم والخضوع له.
ويجوز أن يضاف إليه (٤) ذلك ؛ لما كان منه السبب نحو قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة : ٤٩] فطلب (٥) منه الإذن بالقعود ، ولا تكلفني بما لا أقوم فتفتنني بذلك ، وقال : إنما أضاف ذلك إليه ؛ لما كان منه سبب ذلك الافتتان ؛ فعلى ذلك هذا.
وقال بعض المعتزلة : هذا قول إبليس (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) وقد كذب عدو الله لم يغوه الله ؛ فيقال لهم فإن كان إبليس عدو الله قد كذب فى قوله (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) فيما أغويتني فتقولون بأن نوحا ـ صلوات الله [عليه] ـ قد كذب حيث قال : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] ، أضاف الإغواء إليه ؛ دل هذا على أن إبليس لم يكذب بإضافة الإغواء إلى الله.
ولكن عندنا أنه أضاف الإغواء إلى نفسه ؛ لما خلق فيه فعل الغواية والضلال ، على ما ذكرنا في غير موضع ، ليس كما قال هؤلاء : إنه أضيف إليه لمكان ما كان منه سبب ذلك ؛ لأنه لو جاز أن يضاف فعل الإغواء إليه لسبب الإغواء لجاز أن يضاف ذلك إلى الرسل والأنبياء ؛ لأنه كان منهم الأمر لقومهم والدعاء إلى توحيد الله ، ثم كذبوا في ذلك ؛ فكان سبب إغواء أولئك هم الرسل ، وذلك بعيد.
وكذلك لو كان الإغواء هو اللعن ، لكان كل لاعن عليه فهو مغويه.
وقال بعضهم : (أَغْوَيْتَنِي) أي : خذلتني.
والوجه فيه : ما ذكرنا : أنه خلق فيه فعل الغواية والضلال ، وكذلك من كل كافر خذله ؛
__________________
(١) في أ : مكان.
(٢) ينظر : اللباب (٩ / ٤٠) ذكره دون نسبه إلى قائله.
(٣) في ب : ومن.
(٤) في أ : مثل.
(٥) في أ : سأل.