لما علم منه أنه يختار الغواية والضلال.
وقوله عزوجل : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) [هو المكث] ليس على حقيقة القعود ، ولكن على المنع عن السلوك في الطريق أو على التلبيس عليهم الطريق المستقيم والستر عليهم ؛ لأن من قعد في الطريق منع الناس عن السلوك فيه.
وقوله عزوجل : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧] قال : الحسن (١) : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل الآخرة ؛ تكذيبا بالبعث والجنة والنار ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) قال : من قبل دنياهم يزينها لهم ويشهيها (٢) إليهم ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) قال : من قبل الحسنات يثبطهم عنها ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) قال : من قبل السيئات يأمرهم بها ، ويحثهم عليها ، ويزينها في أعينهم.
وعن مجاهد (٣) : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) قال : من حيث يبصرون (وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من حيث لا يبصرون.
وقيل (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل آخرتهم ، فلأخبرنهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ، على ما ذكر الحسن.
(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من قبل دنياهم : آمرهم بجمع الأموال فيها لمن بعدهم من ذراريهم وأخوف عليهم الضيعة ، فلا يصلون من (٤) أموالهم زكاتها ، ولا يعطون لها حقها ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) من قبل دينهم ، فأزين لكل قوم ما كانوا يعبدون ، فإن كانوا على ضلالة زينتها لهم ، وإن كانوا على هدى شبهته (٥) عليهم ، حتى أخرجهم منه ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من قبل اللذات والشهوات فأزينها لهم.
هذا الذي ذكر أهل التأويل يحتمل.
ثم ذكر الأمام والخلف وعن أيمان وعن شمال ، ولم يذكر فوق ولا تحت ؛ فيحتمل أن يدخل ما فوق وما تحت بذكر أمام واليمين والشمال والخلف ؛ كقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً
__________________
(١) روي مثله عن ابن عباس وغيره
أخرجه الطبري في تفسيره (١٤٣٧٤ إلى ١٤٣٨٢) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ١٣٦) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) في أ : ويشتهيها.
(٣) أخرجه الطبري (١٤٣٨٣ ، ١٤٣٨٤).
(٤) في أ : في.
(٥) في أ : شبهة.