ومدحور واحد مباعد مطرود (١).
وقوله : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).
أخبر ـ عزوجل ـ أنه يملأ جهنم من إبليس ومن تبعه وأطاعه ؛ لأنهم [إنما](٢) يتبعونه ويطيعونه في الكفر والشرك بالله.
تعلق الخوارج بظاهر قوله : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) ، وكل مرتكب معصية تابع له ؛ لذلك استوجب الخلود.
وقالت المعتزلة : كل مرتكب كبيرة بوعيد هذه الآية ؛ لأنه تابع له.
وعندنا : ليس لهم في الآية حجة في تخليد من ذكروا في النار ؛ لأنه إنما ذكرت على أثر نقض (٣) الدين ورد التوحيد ؛ فكأنه قال : لمن تبعك في نقض الدين وردّ التوحيد لأملأن جهنم منكم أجمعين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما).
كان السكون في موضع من القرار فيه والأمن ؛ كقوله : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [يونس : ٦٧] ؛ لتقروا فيه وتأمنوا ؛ فقوله لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أسكنهما عزوجل ليقروا فيها ويأمنوا من [كل ما](٤) ينقصهما من تلك النعم التي أنعم عليهما ؛ لأن الخوف ، مما ينقص النعم ويذهب بلذتها ، فلما أسكنهما عزوجل الجنة أمنهما عن ذلك كله.
ثم فيه أن أول المحنة والابتلاء من الله لعباده إنما يكون بالإنعام والإفضال عليهم ، ثم بالجزاء والعدل بسوء ما ارتكبوا ؛ لأنه عزوجل امتحن آدم أولا بالإفضال والإنعام عليه ؛ حيث أسجد [له ملائكته](٥) ، وأسكنه جنته ، ووسع عليه نعمه ، ثم (٦) امتحنه بالشدائد وأنواع المشقة ؛ جزاء ما ارتكبوا من التناول من الشجرة التي نهاه عن قربانها ، فهو ما ذكرنا أن [شرط](٧) امتحانه عباده في الابتداء يكون بالإفضال والإنعام ، ثم بالعدل والجزاء لسوء صنيعهم.
__________________
(١) في ب : مطرد.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : نقيض.
(٤) في أ : أن.
(٥) في ب : ملائكته له.
(٦) في أ : و.
(٧) سقط في أ.