كان ، وهذا ـ أيضا ـ قد ذكرناه في تلك القصة. والحسن يقول (١) : إنما وسوس إليهما (٢) من الدنيا لا (٣) أن كان دخل الجنة.
وقال بعضهم (٤) : وسوس إليهما من رأس الجنة ومن فيها بكلمتهما (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ).
لم يرد [به](٦) الدنو منها ، ولكن أراد الذوق والأكل منها ؛ لأنه قال : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) [الأعراف : ٢٢] ، دل أن النهي لم يكن للدنو منها ، ولكن للذوق والأكل منها.
وفيه : أن الامتحان من الله مرة يكون بالحل ، ومرة يكون بالحرمة ؛ لأنه أذن [له](٧) التناول مما فيها من أنواع النعم ، وحرم عليه التناول من واحدة منها ؛ فذلك محنة منه ، ثم النهي عن التناول من (٨) الشيء يخرج على وجوه :
أحدها : ينهى بحق الحرمة لنفسه ، وينهى بحق إيثار الغير عليه ، وينهى عن التناول منه لداء فيه وآفة ، وينهى لما يخرج التناول منها بحق الجزاء فلم يكن بعد وقت الجزاء له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما).
قوله : (ما وُورِيَ) أي : ستر وغطي ، وسوءاتهما : عورتهما ، والسوءة : العورة في اللغة (٩).
__________________
(١) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٩).
(٢) في أ : إليه.
(٣) في أ : إلا.
(٤) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٤٨٩).
(٥) في أ : بكلهما.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في أ.
(٨) في ب : عن.
(٩) العورة في اللغة : الخلل في الثغر وفي الحرب ، وقد يوصف به منكرا ، فيكون للواحد والجمع بلفظ واحد ، وفي القرآن الكريم : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزاب : ١٣] فهنا ورد الوصف مفردا والموصوف جمعا.
وتطلق على الساعة التي تظهر فيها العورة عادة للجوء فيها إلى الراحة والانكشاف ، وهي ساعة قبل الفجر ، وساعة عند منتصف النهار ، وساعة بعد العشاء الآخرة ، وفي التنزيل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور : ٥٨].
وكل شيء يستره الإنسان أنفة وحياء فهو عورة.
وهي في الاصطلاح : ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرجل أو المرأة ، أو هي ما يجب ستره ـ