أحدهما : يعظم ذلك في العقل ، والثاني : بالسمع يرد فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها).
ادعوا في ذلك أمر الله ورضاه به ، ويقولون : لو لم يرض بذلك ولم يأمر ، لكان ينكلهم وينتقم منهم ، يعنون آباءهم ، فاستدلوا بتركهم وما فعلوا على أن الله قد كان رضي بذلك ، وأمرهم أن يفعلوا ذلك (١) ؛ فدل تركه إياهم على ذلك على أنه قد أمرهم بذلك ، ورضي عنهم ؛ كمن يخالف في الشاهد ملكا من الملوك في أمره ونهيه ، فإنه ينكله على ذلك وينتقم منه ؛ إذا كان قادرا على ذلك ، فإذا لم يفعل ذلك به دل ذلك منه على الرضا به ؛ فعلى ذلك الله : لما لم ينتقم منهم ولم ينكلهم ، دل ذلك على الرضا والأمر به.
والثاني : كأنهم أخذوا ذلك من المسلمين لما سمعوا من المسلمين قالوا : «ما شاء الله كان» ظنوا أن ما كان من آبائهم كان بأمر من الله ورضاه ، لم يفصلوا بين المشيئة والأمر : المشيئة والإرادة [هي](٢) صفة فعل كل فاعل يفعله على الاختيار ، نحو أن يقال : شاء فعل كذا ، أو (٣) أراد أمر كذا ، ولا يجوز أن يقال : أمر نفسه بكذا ، أو نهى نفسه عن كذا.
وأما قولهم : إن لم ينكل آباءهم ، ولم ينتقم منهم بما فعلوا ، دل أنه رضي بذلك ، فيقال : إن فيهم من فعل على خلاف فعلهم وغير صنيعهم ضد ما فعل أولئك ، ثم لم يفعل بهم ذلك ؛ فهل دلّ ذلك على الرضا منه بذلك؟ فإن قلتم : بلى [فقد](٤) رضي بفعلين متضادين.
وإن قلتم : لا فكيف دلّ ذلك في أولئك على الرضا والأمر ، ولم يدل فيمن فعلوا بخلاف فعلهم ؛ فهذا تناقض؟! وقد ذكرناه فيما تقدم ، والله أعلم.
قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ). لهم يا محمد.
(إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
إن الله أمر بهذا وحرم هذا ، وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الفحشاء](٥) : هو ما ذكرنا ما عظم النهي فيه ، أو كل ما يشتد فيه النهي ويغلظ أو يكثر هو الفحشاء.
ألا ترى أنه يقال لكل شيء يكثر : فحش ، من نحو الكلام وغيره أنه إذا خرج عن حدّه
__________________
(١) في ب : إذا فعلوا بذلك.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : و.
(٤) في أ : قادرا ، وسقط في ب.
(٥) سقط في أ.