«جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (١).
والثالث : بجعل (٢) الزينة العبادة نفسها ؛ بقوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ).
ويحتمل ما ذكره أهل التأويل : كانوا يستعيرون من أهل مكة ثيابا يطوفون فيها ، فإن لم يجدوا بها طافوا فيها عراة بادين عوراتهم ، فنهاهم الله ـ تعالى ـ عن ذلك (٣) ، وقال : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، أي : لا تنزعوا ثيابكم التي على عوراتكم ؛ فهو على النهي عن نزع الثياب وإبداء العورة ، وكذلك قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا).
يخرج على النهي عما حرموا على أنفسهم من أنواع المنافع والنعم التي أحل الله لهم : من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، ومن نحو ما حرموا من الزرع والطعام ، وكقوله : (وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) الآية [الأنعام : ١٣٨] ، خرج قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) على النهي عما حرموا مما أحل لهم ، لا على الأمر بالأكل والشرب ؛ [لأن كل أحد يأكل ويشرب](٤) ولا يدع ذلك ؛ فدل أنه خرج على النهي عما حرموا ؛ كأنه قال : لا تحرموا [ما تحرمون](٥) ولكن كلوا واشربوا وانتفعوا بها.
فإن كان على ابتداء الأمر بأخذ الزينة ، فهو ـ والله أعلم ـ أمر بأخذ الزينة والتجمل عند كل مسجد ، والمسجد هو مكان كل عبادة ونسك (٦) ، على ما يكون (٧) في غير ذلك من الأوقات يتزينون ويتجملون (٨) عند اجتماع الناس ؛ فعلى ذلك يكونون في مكان العبادة والنسك.
أو أن يكون لما في المسجد من اجتماع الناس للعبادة ، فأمروا بستر عوراتهم في ذلك.
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٥١٩) كتاب : التيمم ، أول باب فيه (٣٣٥) وأطرافه (٤٣٨ ، ٣١٢٢) ، ومسلم (١ / ٣٧٠ ـ ٣٧١) كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٣ / ٥٢١) عن جابر بن عبد الله.
(٢) في ب : نجعل.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ، وعزاه أيضا لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن طاوس بنحوه.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) المسجد ـ بالكسر ـ : موضع السجود ، والذي يصلّى فيه ، شاذ قياسا لا استعمالا ، وهو أخفض محط القائم.
ينظر : لسان العرب (سجد) ، الكليات (٤ / ٣٠١) ، والمفردات (٣٢٨) التوقيف على مهمات التعاريف (٦٥٤).
(٧) في ب : يكونون.
(٨) في أ : تجملون.