ويكون قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) ، أي : كلوا واشربوا واحفظوا الحدّ في ذلك ولا تجاوزوه ، وهو نهي عن الكثرة.
أو ما (١) ذكرنا أنه نهاهم عن التحريم وترك الانتفاع بها ، وفي تحريم ما أحل الله وترك الانتفاع بها إسراف.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ؛ لأنه لا يحب الإسراف ، وقد ذكرنا أن المفروض من الستر هو ما يستر به العورة ، وأما غيره فإنما هو على دفع الأذى والتجمل.
ألا ترى أنه قال : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) [الأعراف : ٢٧] ، وقال : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] ، منّ علينا بما أنزل مما نستر (٢) به عوراتنا ، وإن كانت له (٣) المنة في الكل ، وذلك [ـ أيضا ـ](٤) قبيح في الطبع أن ينظر أحد إلى عورة آخر ، وعلى ذلك جاءت الآثار في الأمر بستر العورة ، روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «احفظ عورتك ، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» ، فقيل : يا رسول الله ؛ فإن كان بعضنا في بعض ، فقال : «إن استطعت ألا تظهر عورتك فافعل» ، فقيل : فإذا كان أحدنا خاليا ، فقال : «فالله أحق أن يستحيا منه» (٥).
وعنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة» (٦) ، ومثله كثير ، وفيما ذكرنا كفاية ؛ وعلى ذلك يخرج الأمر بالإخبار بستر العورة ؛ ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ ...) [المائدة : ٣١] الآية ، لئلا ترى عورته ؛ لأنه يكون جفاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ).
__________________
(١) في أ : وما.
(٢) في ب : يستر.
(٣) في ب : كانت تلك.
(٤) سقط في أ.
(٥) أخرجه أحمد (٥ / ٣ ، ٤) ، وأبو داود (٢ / ٤٣٧) في كتاب الحمام ، باب ما جاء في التعري (٤٠١٧) ، والترمذي (٤ / ٤٧٦) باب ما جاء في حفظ العورة (٢٧٦٩) ، وقال : حسن. وابن ماجه (١٩٢٠) ، وعبد الرزاق (١١٠٦) ، والحاكم (٤ / ١٧٩) ، وأبو نعيم في الحلية (٧ / ١٢١) ، والبيهقي في سننه (١ / ٩٩) ، (٢ / ٢٢٥) ، (٧ / ٩٤) ، والخطيب في التاريخ (٣ / ٢٦١) عن معاوية بن حيدة القشيري.
(٦) أخرجه مسلم (١ / ٢٦٦) كتاب الحيض ، باب تحريم النظر إلى العورات (٧٤ ـ ٣٣٨) ، والترمذي (٥ / ١٠١) كتاب الأدب : باب في كراهية مباشرة الرجال الرجال والمرأة المرأة (٢٧٩٣) ، والحاكم وصححه (١ / ١٥٨) ، والطبراني في الكبير (٦ / ٤٤) ، وابن أبي شيبة (١ / ١٠٦).