أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) ، فلو لم يعرفوهم بآثار كانت لهم في الدنيا ، لم يكونوا يعاتبونهم بجمع الأموال والاستكبار في الدنيا ، ولا يقال للفقراء ذلك ، إنما يقال للأغنياء ؛ لأنهم هم الذين يجمعون الأموال وهم المستكبرون على الخلق ؛ كقوله : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥].
ويشبه أن يخاطب الكل ، وفيهم من قد جمع واستكبر ، وذلك جائز ، هذا على تأويل من يجعل أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم بسيئاتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ).
قال عامة أهل التأويل (١) : أقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة ، ولكن يدخلون النار ، فتقول (٢) الملائكة لأهل النار : هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته (٣)(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
ويحتمل أن يكون القسم الذي ذكر في الآية كان منهم (٤) في الدنيا ، كانوا يقسمون أنه لا يدخلون (٥) هؤلاء الجنة ، يعنون : أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ كقوله (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] ، كانوا يقولون : إن الذي هم عليه لو كان خيرا لنالوا هم ذلك ؛ إذ نالوا هم كل خير في الدنيا ، يعنون أنفسهم ؛ فعلى ذلك ينالون في الآخرة مثله ، ونحو ذلك من الكلام الذي يقولون في الدنيا ؛ فيقولون لهم في الآخرة : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ).
وأمكن أن يكون قوله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) لأهل الجنة قبل أن يدخلوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
قال الأصم : يكون الحزن في فوت كل محبوب ، والخوف في نيل كل مكروه ؛ كقول يعقوب : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) [يوسف : ١٣] ، ذكر الحزن عند فوت محبوبه ، [والخوف](٦) عند نيل المكروه ، ولكن عندنا الحزن إنما يكون بفوت الموجود من المحبوب ، والخوف بما سيصيبه من المكروه.
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٦٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الربيع بن أنس عن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم. وانظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥١٣ ـ ٥١٤).
(٢) في ب : فيقول.
(٣) في ب : برحمة.
(٤) في أ : عنهم.
(٥) في أ : أن يدخلوا.
(٦) سقط في ب.