وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً).
قال الحسن (١) : اتخذوا دينهم الذي كلفوا به وأمروا أن يأتوا به لهوا ولعبا.
وجائز أن يكون قوله : (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) أي : اتخذوا دينهم الملاهي التي كانوا يلهون (٢) ويلعبون ؛ كقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥] أي : اتخذوا دينهم الذي دانوا به لهوا ولعبا ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، وفي إنكارهم البعث إنكار الجزاء للحسنات والسيئات ، وفي الحكمة إيجاب ذلك ، فمن لم ير ذلك فهو لاه ولاعب ، واللهو واللعب هو الذي لا عاقبة له ، وكل من عمل عملا لا عاقبة له فهو لعب ولهو ، وكل من يعمل لعاقبة فهو ليس بلعب ولا لهو ، وهم كانوا يعملون لا لعاقبة ؛ لذلك كان لهوا ولعبا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
قال بعضهم : إن الحياة الدنيا لا تغر (٣) أحدا ، ولكن أضيف إليها التغرير لما كانت سببا من أسباب الاغترار بها ، فأضيف إليها ؛ كقوله : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦] أضاف الفرار إلى الدعاء ، وقد يضاف الشيء إلى سببه ؛ كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] ، أي : يبصر به.
وقال بعضهم : أضيف ذلك إليها ؛ لما كان منها من السبب من الهيئة ما لو كان ذلك من ذي العقل والتمييز كان ذلك غرورا ؛ من نحو التزيين وغيره.
وجائز إضافة التغرير إليها على إرادة أهلها ، أي : غرهم أهلها ، وهم القادة والرؤساء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا).
لا يجوز أن يضاف النسيان إلى الله ـ تعالى ـ بحال ، ولكن يجوز أن يقال : يجزيهم جزاء نسيانهم ، فسمي الثاني باسم الأول ، وإن لم يكن الثاني نسيانا ؛ نحو قوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] والثانية ليست بسيئة ، ولكن جزاء السيئة ، لكنه سماها باسم السيئة ؛ لما هي جزاء لها ؛ فعلى ذلك هذا ، وكقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة : ١٩٤] ، والثاني ليس باعتداء ، ولكنه جزاء الاعتداء ، فسماه باسم الاعتداء ؛ لما هو جزاؤه ؛ فعلى ذلك سمى الثاني نسيانا ؛ لأنه جزاء النسيان ، وإن كان الله لا يجوز أن ينسى ، أو يسهو عن شيء ، أو يغفل ، ولأن في النسيان تركا ، وكل منسي متروك ، فيتركهم
__________________
(١) ذكره بمعناه الرازي في تفسيره (١٤ / ٧٧) ولم ينسبه لأحد ، وكذا ابن عادل في اللباب (٩ / ١٣٥).
(٢) زاد في ب : فيه.
(٣) في أ : لا تغرن.