ثم قد بين ـ عزوجل ـ فساد قول كل من عبد غيره ، وعجز كل ذلك عما له يعبد وجهله بمعنى العبادة ، وخروجه عن الاستحقاق بما فيه من آثار التدبير ، وعليه من دلالة التقدير واستحقاق جميع معاني الخلقة ، ودخوله تحت الصنعة ، وحاجته إلى من احتاج إليه كل مما هي التي تبعث على العبادة وتوجب إظهار الذلة والخضوع لمن هو كذلك في الخلقة والجوهر ، فألزمهم الفزع إلى من يدلهم إلى الرب الحق ، ويدعوهم إلى المعبود المتعالي عن الأشباه والأضداد بما يوجب الشبه والمشاكلة ، وفي وجوب ذلك دليل جاعل أخذ له شكلا ، وذلك آية الصنعة ودلالة الحدث ، وفي تحقيق الضد خوف ذهاب وفساد فتضمحل الألوهية وتستوجب حق الدخول تحت التقدير ، والقيام على ما شاء من له التدبير ؛ جل الله سبحانه عن توهم ذلك ، فأكرم من بعثته (١) الحاجة إلى معرفته (٢) ورفعته الخلقة إلى العلم بمن أنعم عليه واختصه من بين كثير من خلقه بما ركب فيه ما به يدبر أمر غيره ، وبه يعرف قدر النعم عليه لمن أكرمه به ؛ ليشكر له فيما أولاه ويحمده على ما أعطاه ، فمن بإظهار ذلك على لسان رسوله الذي عرف خلقه بما نصب من أدلة صدقه ، وأبان من حجج عصمته عن الكذب فيما ينبئ ، وإصابته فيما يخبر ، فقال : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) [أي](٣) الذي لا ربّ لكم (٤) سواه ولا لأحد من الخلائق ، هو الله الذي لا إله غيره ؛ ليوجهوا إليه العبادة في الحقيقة ، وليؤدوا إليه شكر ما أنعم عليهم ، وإن كانت نعمه أعظم من أن يجزيها العباد ، وحقه أجل من أن يقوم به العباد ، [و](٥) لو لا أن الله ـ سبحانه ـ لم يورد من البيان على ربوبيته ، والدليل على ألوهيته سوى ما أنطق به [على](٦) لسان رسوله بعد الإيضاح أنه لا ينطق إلا بالحق ، ولا يقول إلا الصدق لكان ذلك بيانا شافيا ، لكنه بفضل رحمته بين الأدلة التي تحقق ذلك وتعلم أنه كما جاء به رسوله ، إلا أن يعاند الحق ويكابر العقل ، فقال عزوجل : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) إلى آخر ما ذكر دلالة خلق ما ذكر من آثار التدبير وعجيب التقدير الذي به قوام كل ممن يحتمل المنافع والمضار واتصال (٧) ما بين السماء والأرض على تباعد بعض من
__________________
(١) في ب : تبعثهم.
(٢) في أ : معرفة.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : غيركم.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : إيصال.