وقوله عزوجل : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) كانوا يستمعون إليه ليجادلوه ، على ما ذكر ، (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) دل هذا أنهم كانوا يستمعون إليه للمجادلة معه والخصومة.
وقيل في بعض الحكايات : إن الناس كانوا ثلاث فرق في أخبار الرسل والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ : منهم من يستمع للجمع والاستكثار.
ومنهم من يستمع ليأخذ عليهم سقطاتهم وما يجري على لسانهم من الخطأ.
ومنهم من يستمع ليأخذ الحق منه ويترك الباقي ، ولكن هؤلاء كانوا يستمعون إليه ليخاصموه في ذلك وليجادلوه ؛ ليعرف قومهم أنهم يستمعون إليه ، ويعرفون ما يقول ليصدوا بذلك أتباعهم.
والثاني : أنهم يستمعون ويحاجون في ذلك ليعرفوا أنهم أهل حجاج وعلم ليصدوهم عنه.
ثم يحتمل أن يكونوا أهل نفاق ؛ لأنهم كانوا يرون ويظهرون الموافقة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويضمرون الخلاف له.
ويحتمل أن يكونوا أهل الشرك ، أي : رؤساؤهم ؛ ليستمعوا إليه ، ويجادلوه فيما يستمعون إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً).
أخبر أن على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا.
وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨].
نفى عنهم ذلك لما لم ينتفعوا بذلك كله ، وإن لم يكونوا ـ في الحقيقة ـ صما ، ولا بكما ، ولا ما ذكر ، لما لم ينتفعوا بما أنشأ فيهم من السمع والبصر والعقل ، فنفى عنهم ذلك.
ثم قوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً).
لا يخلو إضافة ذلك إلى نفسه من أن يكون خلق منهم فعل الكفر ، أو خلق الظلمة التي في قلوبهم ، يعني ظلمة الكفر ؛ لأن ظلمة الكفر تستر وتغطي كل شيء ، ونور الإيمان ينير منه كل شيء ، فإضافة الفعل إليه لا تخلو من أحد هذين الوجهين ، إما لخلق فعل الكفر منهم ، ففيه دلالة خلق أفعالهم ، وإما لخلق ظلمة الكفر في قلوبهم. وفيه ردّ قول المعتزلة لإنكارهم خلق فعل العباد (١).
__________________
(١) وهي مسألة معروفة بخلق أفعال العباد ، مسألة الجبر والاختيار من المسائل التي نوقشت بشدة بين مفكري الإسلام الذين انقسموا فيها إلى فرق شتى ، واختلفوا تبعا لفهم كل منهم لها ، فمن قائل ـ