__________________
ـ بالجبر ، وقائل بالحرية التامة ، ووسط هذه المعارك نجد من يحاول جمع الفرق المتنازعة على كلمة سواء ويمكن أن نرد الخلاف حول المسألة إلى أربعة مذاهب :
الأول : مذهب المعتزلة : وهو أن العبد فاعل ومحدث لأفعاله الاختيارية ، فأفعال العباد من حركات وسكنات واقعة من جهتهم بإقدار الله لهم على هذه الأحداث ، وعلى ذلك فإن من قال : إن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله ، فقد أخطأ ، فقدرة الله لا تتعلق بأفعال العباد من حيث الإيجاد والنفي.
استدل المعتزلة من العقل فقالوا أدلتهم : «لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد لوجب كونهم مضطرين إليها ، وألا يكون بين ما يكتسبه العبد وما يضطر إليه فرق. وفي علمنا بالفرق بينهما دلالة على فساد كل قول يسقط الفرق الذي علمناه».
وكذا قالوا «لو كان الله تعالى هو الخالق لفعل العباد لما استحقوا الذم على القبيح والمدح على الحسن ، وذلك لأن المدح والذم على فعل الغير لا يصح ، ولا فرق بين من اعتقد حسن ذلك وبين من اعتقد ذم الجماد والأعراض ومدحها لما يقع منه تعالى من الأفعال».
واستدلوا من القرآن بقوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ...) [الملك : ٣] ووجه استدلالهم من الآية أنها تنفي التفاوت عن خلقه سبحانه ، وهذا من أكبر الأدلة على أنه سبحانه لم يخلق أفعال العباد لما فيها من تفاوت كبير.
الثاني : مذهب الجبرية : وهو نفي القدرة والاستطاعة عن الإنسان في سائر أعماله ، وأن الأفعال مخلوقة لله تعالى فينا لا تعلق لنا بها أصلا ، لا اكتسابا ولا إحداثا وإنما نحن كالظرف لها.
وكأن مذهب الجبرية يأتي في مقابل مذهب المعتزلة ، فهما على النقيض.
الثالث : مذهب الأشاعرة : ويرى الأشاعرة أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى وحدها وليس للعبد فيها أدنى تأثير ، فهي مخلوقة لله من حيث الإبداع والإحداث وللعبد فيها الكسب.
ويفسرون حدوث الأفعال من العبد بأن الله سبحانه وتعالى قد أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يوجد مانع أوجد فعله المقدور مقرونا بهذه القدرة والاختيار وهم هنا يثبتون للعبد في أفعاله الكسب ، ومعناه كما يقول الإمام أبو الحسن الأشعري : «الفعل القائم بمحل قدرة العبد».
فالأشعري يرى أن الإنسان يقدره الله على إحداث الفعل عند مباشرته ، فيقع الفعل عند هذه القدرة لا بها. ومن هنا يرى أنه ليس لهذه القدرة تأثير في إيجاد الفعل.
ويختلف بعض الأشاعرة مع الأشعري في مفهوم الكسب ، فذهب الباقلاني إلى أن أفعال العباد من حيث هي أفعال واقعة بقدرة الله ، ومن حيث هي صفات واقعة بقدرة العباد ، فمثلا : الصلاة من حيث هي فعل واقعة بقدرة الله ، ومن حيث تخصيصها واقعة بقدرة العبد.
وعلى ذلك فالباقلاني يتفق مع الأشعري في أن الفعل واقع بقدرة الله من حيث هو فعل ويختلف معه في القول بأنه واقع بقدرة العبد من حيث هو صفة.
وذهب الجويني : إلى القول بأن لقدرة العبد تأثيرا في وجود المقدور ، لكن ليس باستقلال ، بل إن هذه القدرة تستند إلى سبب ، وهذا السبب يستند إلى سبب ، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى مسبب الأسباب.
فهو يختلف عن إمام المذهب ، حيث جعل لقدرة العبد أثرا في إحداث الفعل.
وذهب الأسفرائيني : إلى أن فعل العبد واقع بقدرة الله وقدرة العبد معا.
ومع هذا الاختلاف بين الأشاعرة فإنه يبقى اتفاقهم على أن الفعل واقع بقدرة الله وللعبد فيه ـ