جميعا يحتمل أن تولى واحد منهم عقرها بمشورتهم جميعا ، ومعونتهم ، وتدبيرهم ، وتراضيهم على ذلك ، فأضيف إليهم ذلك (١) لاجتماعهم على ذلك ، وإلى الواحد فيما تولى جرحها ومنعها عن السير ، ففيه دلالة لمذهب أصحابنا (٢) أن قطاع الطريق إذا تولى بعضهم القتل ، وأخذ الأموال ، ولم يتول بعضهم يتشاركون جميعا : من تولى منهم ، ومن لم يتول في حكم قطاع الطريق بعد أن يكون بعضهم عونا لبعض ، وكذلك إذا اجتمع قوم على قتل واحد ، فتولى بعضهم القتل ولم يتول بعض بعد أن كانوا في عون أولئك ، فإنهم يقتلون جميعا ، وعلى ذلك يخرج قول عمر ـ رضي الله عنه ـ حيث قال : «لو تمالأ عليه أهل صنعاء (٣) لقتلتهم» (٤) وأهل صنعاء إذا اجتمعوا لا سبيل للكل أن يتولوا قتله ، فدلّ أنه على العون والنصر لبعضهم بعضا فيتشاركون جميعا في القصاص على ما تشارك أولئك جميعا في العذاب : من تولى عقرها ومن لم يتول ، بعد أن كان ذلك العقر بمعونتهم ، وبتراضيهم (٥) على ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ).
إنما أخذهم العذاب لما استعجلوا منه العذاب ، وكذبوه فيما يوعدهم العذاب ويعدهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ).
العتو : هو النهاية في التمرّد (٦) ، والخلاف لأمره على العلم منهم بالخلاف لا على
__________________
(١) في أ : لذلك.
(٢) وهم أصحاب مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان كما تقدم في الجانب الدراسي.
(٣) وقال الهمداني في صفة الجزيرة : مدينة صنعاء هي أم اليمن وقطبها ؛ لأنها في الوسط فيها ، ما بينها وبين عدن كمثل ما بينها وبين حد اليمن من أرض نجد والحجاز ، وكان اسمها في الجاهلية أزال وتقول العرب :
لا بد من صنعا وإن طال السفر
وينسب إلى صنعاء صنعاني مثل بهراء وبهراني لأنهم رأوا النون أخف من الواو وخولان لا تنسب إليها إلا على بنية الأصل صنعاوي ، وكلهم يقول في ساكن الكدراء كدراوي ولا يقولون كدراني.
وصنعاء أقدم مدن الأرض ؛ لأن سام بن نوح الذي أسسها.
ينظر : مجموع بلدان اليمن (٣ / ٤٨٥).
(٤) أخرجه البيهقي في الكبرى (٨ / ٤٠ ـ ٤١) في كتاب : الجنايات ، باب : النفر يقتلون الرجل.
(٥) في ب : وتراضيهم.
(٦) العتو : أشد الفساد وأصله : النبو عن طاعة الآمر. يقال : عتا يعتو عتوا وعتيا. وقيل : العتو : المبالغة في ركوب المعاصي والتمرد فيها ، والعاتي : من اتصف بذلك فلم تنفع فيه موعظة ولم ينجع فيه إنذار. وقوله : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) ، أي متجاوزة حدها الأول. وكل أمر شديد. ـ