الفواحش ، والتعيير عليها ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ...) [الشعراء : ١٦٠ ـ ١٦٣] لأنه (١) كان من الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ دعاء قومهم إلى عبادة الله ، ووحدانيته أولا ، ثم النهي عما ارتكبوا من الفواحش والمعاصي ، والتعيير عليها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) قوله : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ) يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير الله ؛ كقولهم : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) [الأعراف : ٧٠] وقولهم : (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٢] و (مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] وقوله : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء : ٧٤] ونحو ما قالوا ؛ فعلى ذلك من قوم لوط للوط لما دعاهم إلى عبادة الله ، ووحدانيته ، فأجابوه بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم ؛ فقال : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) ، أي : تعملون أنتم أعمالا لم يعملها آباؤكم ، ولا تقلدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة ، فقال : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) يعيرهم ، ويسفه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد من العالمين ، على علم منهم أن ذلك فاحشة.
ألا ترى أنهم قالوا : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) دل هذا القول على أن ما يأتون من الفواحش يأتون على علم منهم أنها فواحش ؛ حيث قالوا : (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
ثم قوله : (الْفاحِشَةَ) لما في العقل والشرع ؛ لأن ما حرم من المحرمات على الخلق ، وأحل (٢) المحللات [محنة](٣) منه لهم على ذلك ، ثم جعل فيما أحل لهم من الأطعمة (٤)
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) في أ : أهل.
(٣) سقط في أ.
(٤) أطعمة جمع مفرده طعام والطعام : مصدر ، فعله طعم.
يقال : طعم يطعم طعما وطعاما إذا شبع ، ويقال : طعم الشيء وطعم من الشيء ، إذا أكله بمقدم فمه وثناياه.
ويقال : طعم الشيء : إذا ذاقه ، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي)[البقرة : ٢٤٩].
والطعام : اسم يطلق على كل ما يؤكل وما به قوام البدن ، كما يطلق على كل ما يتخذ منه القوت من الحنطة والشعير والتمر.
ويطلقه أهل الحجاز والعراق الأقدمون على القمح خاصة ، والطعام : اسم لما نضب عنه البحر فنبت ومن ذلك قول الله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ)[المائدة : ٩٦] وطعام البحر ما نضب عنه الماء من السمك فأخذ من غير صيد.
هذا لغة ، ويستعمل الفقهاء كلمة «طعام» بمعان مختلفة تبعا لاختلاف موطنها ، فيستعملون الطعام ـ