والحاجات التي تبعثهم على التناول مما (١) أحل لهم ليدوم هذا العالم ؛ لأنه [ما] أحل (٢) لهم للشهوة خاصة ، ولكن لما ذكرنا فأخبر أن ما يأتون هم هو فاحشة ؛ لما ليس إتيانهم إياها (٣) إلا لنفس قضاء الشهوة ، إذ ليس في ذلك دوام العالم وبقاؤه ، فهو في العقل فاحش محرم ، وإن لم يرد فيه النهي (٤) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الإسراف : هو الإكثار من الشيء ، والمجاوزة عن الحدّ ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان : ٦٧] القتر (٥) : هو التضييق ، والإسراف : هو الإكثار ، حيث قال :
__________________
ـ والثاني : إعطاؤها ؛ تحيلا على نشاطها وبعثا لروحانيتها.
والثالث : قال ـ وهو الأشبه ـ : التوسط ؛ لأن في إعطاء الكل سلاطة ، وفي المنع بلادة.
ينظر : القاموس المحيط (شهو) والمصباح المنير (شهو) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٧٨٨) ، وتفسير القرطبي (١١ / ١٢٥) ، وعميرة على شرح المنهاج (٤ / ٢٦٤) ، ونهاية المحتاج (٨ / ١٥٤) ، وحاشية الجمل (٥ / ٢٧٩).
(١) في أ : ما.
(٢) في أ : أهل.
(٣) في أ : آباءهم.
(٤) اللواطة ليست أقل ضررا من الزنى ، وربما كانت أكثر ضررا منه ؛ فهي ليس فيها اختلاط الأنساب ، ولكن فيها قطع الأنساب رأسا ؛ فهي أبلغ في الضرر ، وينقص النسل بمقدار اعتماد الناس على هذا الأمر الفظيع.
ومرتكب اللواط إن كان متزوجا فسد ما بينه وبين زوجه وساءت حال أولاده.
وإن الزوجة لتغار من هذا الأمر أضعاف ما تغاره لو كان زوجها معاشرا لأخرى.
وحالة اللائط الصحية مرذولة أكثر من الزاني ، فنجده دائما مصفر اللون ضعيف البنية ، وقلما يخلو من أمراض الزهري والسيلان ، وحالته المالية أسوأ وأسوأ ؛ فهو عنوان الفقر والبؤس والشقاء ، وحالته بين الناس لا تحتاج إلى بيان فهو محتقر في أعين الناس ، والزاني ليس محتقرا بالنسبة إليه ، واللائط قذر باعتبار وظيفته.
فالرجل العادي يستقذر أن يرى من يمتخط أو يبصق ، ولكن هذا الرجل لا يبالي بما هو أقذر من ذلك.
ولقد سئل بعضهم : لما ذا لا تأتون الذكران؟
فقال : إني لأكره العذرة وهي ملقاة على الأرض ، فكيف ألج عليها في وكرها؟!
والمفعول به يحيق به ما حاق بالفاعل بل هو أذل نفسا ، وأرذل قدرا وأوسخ عرضا.
وكيف لا يسخر منه الناس وقد رضي وظيفة المرأة وظيفة له ، فهو يفترش كما تفترش المرأة؟!
وقديما كان ملوك حمير يأتون من يطمع في الملك ؛ حتى لا يكون له من الشهامة ما يطمعه في الملك.
ومجمل القول هو أن الزواج هو الحصن الحصين من الوقوع في مهاوي الرذيلة ، فإن لم يتيسر فالصوم أعظم وقاية ، وبذلك يكون المسلم قد حفظ نفسه ، وأمته.
ينظر حد الزنى ، ليوسف البرديسي.
(٥) القتر : التضييق ؛ يقال : قترت الشيء وأقترته وقترته ، أي : ضيقت الإنفاق فيه. ورجل قتور ومقتر. ـ