(وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان : ٦٧] فإذا كان الإسراف هو الإكثار من الشيء ، فكأن لوطا سماهم مسرفين لما أكثروا من ذلك النوع من الفواحش ، وجاوزوا الحد ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) وجوها ثلاثة :
أحدها : ما ذكرنا من إكثار الفعل.
والثاني : مسرفون ؛ لما ضيعوا ما أنعم الله عليهم ؛ حيث أعطى لهم الأزواج فضلا منه ونعمة ، حيث أخبر : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [الروم : ٢١] وكقوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٢] ونحوه [منّ جلّ وعلا بما](١) جعل لهم من الأزواج ، ثم هم لم يشكروه على ما أنعم عليهم ، بل ضيعوها ، وجعلوها في غير ما جعل هو لهم ، فذلك إسراف منهم.
والثالث : الإسراف : هو المجاوزة عن الحد الذي جعل لهم ، فهم قد جاوزوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا).
كذا كان من قومه أجوبة ليس على أنه لم يكن منهم من أول الأمر إلى آخره هذا ، ولكن لم يكن من جواب قومه وقت ما نهاهم عما ارتكبوا من الفواحش وعيّرهم عليها إلا ما ذكر : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) لما ينهاهم ويعيرهم على ذلك ، ويحتمل ما قال أهل التأويل (٢) : (يَتَطَهَّرُونَ) : من أدبار الرجال (٣).
__________________
ـ و «قتور» صيغة مبالغة ؛ قال تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) [الإسراء : ١٠٠] وفيه تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل ، وعليه قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) [النساء : ١٢٨].
وقوله تعالى : (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)[البقرة : ٢٣٦] أي : وعلى الفقير الذي ضيق عليه رزقه ، كقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)[الطلاق : ٧] قيل : وأصل ذلك من القتار ، وهو الدخان من الشواء والعود ، فكأن المقتر والمقتّر هو المتناول من الشيء قتاره ، وأصله : التضييق في النفقة.
ينظر عمدة الحفاظ (٣ / ٣١٨).
(١) في أ : ما.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٥٤١) (١٤٨٤٧) عن ابن عباس ، وفي (١٤٨٤٤ ، ١٤٨٤٥ ، ١٤٨٤٦) عن مجاهد ، وانظر الدر المنثور (٣ / ١٨٦).
(٣) اتفق الفقهاء على تحريم الإتيان في دبر الرجال ، وهو ما يسمى باللواط ، وقد ذمه الله تعالى في كتابه المجيد ، وعاب من فعله ، فقال :
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف : ٨٠ ـ ٨١]. وقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لعن الله من عمل عمل قوم لوط» ثلاثا. ـ