قيل (١) : قوله : (افْتَحْ) ، أي : احكم بيننا وبين قومنا بالحق.
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ما كنت أعلم ما معنى الفتح في الآية حتى تزوجت امرأة من بني كذا ، فوقعت بيننا مخاصمة ، فقالت لي : تعال حتى أفاتحك إلى فلان ، فعند ذلك عرفت أن المفاتحة هي المحاكمة (٢).
وقوله : (بِالْحَقِ) قيل (٣) : هو العذاب الذي كان وعد لهم أن ينزل عليهم بتكذيبهم شعيبا وبأذاهم إياه.
ثم [ليس](٤) للمعتزلة أدنى تعلق بقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) ، يقولون : هو الدعاء والسؤال ، وإن كان لا يحكم إلا بالحق ، فعلى ذلك يقولون في قوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] ونحوه وكذلك يقولون في قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لكن عندنا يخرج قوله : (احْكُمْ بِالْحَقِ) [الأنبياء : ١١٢] و : (افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) على وجوه :
أحدها : يقول : ربنا افتح بيننا بحكمك وهو الحق.
والثاني : يقول : رب احكم بالحق في حادث الوقت كما حكمت في الوقت الماضي ، وهو كقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] وهو النبوة والهداية.
والثالث : على استعجال العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ).
قد ذكرنا أن الملأ هم كبراؤهم وسادتهم ، يقولون للأتباع والسفلة : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ).
قال أبو بكر (٥) : لجاهلون.
ثم يحتمل قوله : (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) وجوها :
أحدها : أن شعيبا كان يحذر قومه بالتطفيف (٦) في الكيل والوزن ، ويأمرهم بوفاء حقوق الناس ، بقوله : فأوفوا الكيل ولا تكونوا كذا. وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤ ـ ٥) (١٤٨٧٢) عن السدي.
(٢) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٢٤) (١٤٨٦٧ ، ١٤٨٦٩ ، ١٤٨٧٥). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩١) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس.
(٣) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ١٤٧) وكذا ابن عادل في اللباب (٨ / ٢٢٦).
(٤) سقط في ب.
(٥) انظر البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٣٤٧).
(٦) التطفيف لغة : البخس في الكيل والوزن ، ومنه قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين : ١] ـ