وأما قول من يقول بالإياس وقطع الطمع عن ذلك : فذلك ـ أيضا ـ بعيد ؛ لأن الإياس إنما يكون فيما يعلم أنه لا يكون البتة من نحو ما ذكر من قوله : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ونحوه ، وأمّا مثل هذا فإنهم لا يفهمون منه الإياس وقطع الرجاء ، بل كانوا يأتون بالفواحش ، ويقولون : الله أمرهم بذلك ، فأنّي يقع لهم الإياس بذلك؟!
وأمّا عندنا فإنه على حقيقة المشيئة ، وذلك أن من علم الله منه أنه يختار الكفر ، ويؤثر ذلك على فعل الإيمان والطاعة ـ يشاء ذلك له على [ما](١) علم أنه يختار ، ومن علم منه أنه لا يختار ذلك لا يشاء ؛ إذ لا يجوز أن يعلم منه غير الذي يكون أو أن يشاء غير الذي علم أنه يكون منه ؛ لأنه جهل وعجز.
وأصله : أن شعيبا خاف أن تسبق (٢) منه زلة (٣) ويصير منه الاختيار لذلك فيشاء الله بذلك الزيغ والضلال ، وكذلك جميع الأنبياء خافوا ذلك ؛ كقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حيث قال : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) [الأنعام : ٨٠] وقول يوسف حيث قال : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [يوسف : ٧٦] كان خوف الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أكثر من خوف غيرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
معناه ـ والله أعلم ـ أنه لا (٤) نعلم إلى ما ذا تصير عاقبة أمرنا ، وعلم الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا).
قيل (٥) : على الله اعتمدنا فيما تخوفنّنا (٦) من الإخراج ، وإليه نلجأ في سلطانه وملكه ، وبه نثق في وعده بما يعدنا من النصر والظفر على الأعداء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ).
__________________
ـ الإجارة.
ينظر : لسان العرب (ثني) ، وحاشية ابن عابدين (٢ / ٥٠٩) ، وروضة الناظر (١٣٢) وجمع الجوامع وحاشية البناني (٢ / ٩) ، والتوضيح ومعه التلويح على التوضيح (٢ / ٢٠).
(٦) في أ : يخوفونا.
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : سبق.
(٣) الزلة : استرسال الرّجل بغير قصد ؛ ومنه قيل للذنب بغير قصد : زلة ؛ تشبيها بزلة الرّجل. ينظر : المفردات (٣١٣) (زلل) ، المصباح المنير (٣٠٢) (زلل) ، الكليات (٢ / ٤١٥) ، التوقيف (٣٨٨).
(٤) في ب : أن لا.
(٥) ذكره ابن جرير (٦ / ٤) بمعناه.
(٦) سقط في أ.