بذلك (١) على الإياس ، وقطع الرجاء ، أي : لا يشاء الله البتة ذلك ؛ كما يقال : كان كذا إن صعدت السماء ، وكقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ، فعلت كذا ، مما يعلم أنه لا يكون ؛ فعلى ذلك هذا كله بعيد محال.
أما قول الحسن : إن من حكم الله أنه (٢) من ردّ دينه وعصى رسوله ، أنه يكون من الكافرين ، ومن قبل دينه وأطاع رسوله ، يكون من المؤمنين ، فليس فيه سوى أنه يقول (٣) : إنه يعلم من كفر به ومن آمن به ، فلا معنى للاستثناء لو كان التأويل ما ذكر.
وأما قول أبي بكر : إنه يتعبدهم ويمتحنهم بما يتقربون في دينهم وملتهم مما (٤) يجوز أن يأذن في ذلك ، فذلك لا يحتمل ؛ لأنه ذكر الملة التي كانوا هم عليها ، فإليها ترجع الثنيا (٥) لا يجوز [أن تصرف الثنيا](٦) إلى غيرها.
__________________
(١) في أ : يؤمهم على ذلك.
(٢) في ب : أن.
(٣) في ب : أن يقول.
(٤) في أ : ما.
(٥) من الاستثناء ، والاستثناء لغة : مصدر «استثنى» ، تقول : استثنيت الشيء من الشيء ، إذا أخرجته ، ويقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيّا ، ولا مثنوية ، ولا استثناء ، كله واحد.
وذكر الشهاب الخفاجي أن الاستثناء في اللغة والاستعمال يطلق على : التقييد بالشرط ، ومنه قوله تعالى (وَلا يَسْتَثْنُونَ)[القلم : ١٨] ، أي : لا يقولون : «إن شاء الله».
والاستثناء في اصطلاح الفقهاء والأصوليين إما أن يكون لفظيّا أو معنويّا أو حكميّا ، فالاستثناء اللفظي هو : الإخراج من متعدد ب «إلا» ، أو إحدى أخواتها ، ويلحق به في الحكم الإخراج ب «أستثني» و «أخرج» ونحوهما على لفظ المضارع ، وعرفه السبكي بأنه : الإخراج ب «إلا» أو إحدى أخواتها من متكلم واحد.
وعرفه صدر الشريعة الحنفي بأنه : المنع من دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه ، ب «إلا» أو إحدى أخواتها. فعرفه بالمنع ، ولم يعرفه بالإخراج ؛ لأن الاستثناء عند الحنفية لا إخراج به ؛ إذ لم يدخل المستثنى في المستثنى منه أصلا حتى يكون مخرجا.
فالاستثناء لمنعه من الدخول ، والفقهاء يستعملون الاستثناء أيضا بمعنى قول : «إن شاء الله» في كلام إنشائي أو خبري.
وهذا النوع ليس استثناء حقيقيّا ، بل هو من متعارف الناس. فإن كان ب «إلا» ونحوها فهو استثناء حقيقي ، أو «استثناء وضعي» ، كأن يقول : لا أفعل كذا إلا أن يشاء الله ، أو : لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله ، ومن العرفي قول الناس : إن يسر الله ، أو : إن أعان الله ، أو : ما شاء الله.
وإنما سمي هذا التعليق ـ ولو كان بغير «إلا» ـ استثناء ؛ لشبهه بالاستثناء المتصل في صرفه الكلام السابق له عن ظاهره.
والاستثناء المعنوي هو : الإخراج من الجملة بغير أداة استثناء ، كقول المقر : له الدار ، وهذا البيت منها لي. وإنما أعطوه حكم الاستثناء ؛ لأنه في قوة قوله : له جميع الدار إلا هذا البيت.
والاستثناء الحكمي يقصد به أن يرد التصرف مثلا على عين فيها حق للغير ، كبيع الدار المؤجرة ؛ فإن الإجارة لا تنقطع بذلك ، والبيع صحيح ، فكأن البيع ورد على العين باستثناء منفعتها مدة ـ