الذي ينازع الأنبياء والرسل هم الكبراء والرؤساء دون الأتباع والسفلة ، والأتباع هم الذين يصدرون لآراء الكبراء ، ويتبعونهم فيما يدعونهم إليه ، وعلى ذلك سموا الكبراء والرؤساء أضداد الرسل ، وإلا كان موسى مبعوثا إليهم جميعا ؛ الوضيع منهم والرفيع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَظَلَمُوا بِها).
قال بعضهم : قوله : (فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا بالآيات والحجج التي أتى [بها](١) موسى إلى فرعون وقومه ، سمي ظلما ؛ لأنهم سموا تلك الآيات سحرا بعد ما عرفوا أنها منزلة من الله ، فوضعوها غير موضعها ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه.
وقال قائلون : قوله : (فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا نعم الله التي أنعمها عليهم حيث عبدوا غيره ، فصرفوا شكر تلك النعم إلى غير الذي أنعمها عليهم ، فذلك ظلم ، شكروا من لم ينعم عليهم وصرفوا عمن أنعم عليهم ، والله أعلم.
ويحتمل : ظلموا الأتباع بتلك الآيات حيث منعوهم عن اتباع الرسول واستتبعوهم.
أو يقول : ظلموا بها أنفسهم حيث تركوا اتباعها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
هذا الخطاب في الظاهر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان المراد بالخطاب غيره ، أمر كلا بالنظر في عاقبة المفسدين لما حل بهم بفسادهم ؛ لأن من نظر في عاقبة ما حل بغيره بمعصية أو فساد يمتنع عن مثله ، وأمكن أن يكون الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لوجهين :
أحدهما : لما له بما حل بهم بعض التسلي لأذاهم إياه ؛ لأن من توسم (٢) حلول الهلاك على عدوه في العاقبة صبر على أذاه ، ويكون (٣) له بعض التسلي في ذلك [والثاني](٤) يذكرهم وينبئهم بما يحل بهم في العاقبة ؛ ليمتنعوا عما ارتكبوا من المعاصي ؛ لأن ذلك أزجر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).
فإن قيل : كيف قال إني رسول الله وذلك يخرج في الظاهر مخرج الامتداح (٥) والتزكية ، وقد نهينا (٦) عن ذلك ؛ لأنه أخبر [أنه] بمحل الذي توضع (٧) الرسالة فيه ، وأنه
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : توهم.
(٣) في أ : أو يكون.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : الأضداد.
(٦) في أ : نبهنا.
(٧) في أ : يوضع.