أهل لها؟ قيل : ليس فيه امتداح نفسه ولا تزكية له ؛ لأنه إنما يذكر منة الله تعالى أنه جعله بحيث توضع (١) فيه الرسالة ، وجعله أهلا لها والتزكية والامتداح إنما يقع فيما هو فعله حقيقة لا فعل الله ، أو إن (٢) كان تزكية وامتداحا فهو أمر بذلك ، فجاز ذلك بالأمر.
أو أراد بذلك تعريفه ؛ لما كان من عادة الملوك أنهم إذا بعث بعضهم إلى بعض رسولا (٣) فإنهم لا يستقبلون الرسل بالمكروه والشر ، بل يعظمون الرسل ويكرمونهم ، وإن كان بينهم معاداة ، فذكر أنه رسول من ربّ العالمين ؛ لئلا يستقبل بالمكروه.
وقوله : (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) قيل : العالم : هو جوهر الكل ، وهو قول الفلاسفة.
وقال أبو بكر الأصم : رب العالمين ، أي : مليك الخلائق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ).
قال أهل التأويل : إن موسى لما قال لفرعون [إني رسول من رب العالمين فقال له كذبت فعند ذلك قال له موسى (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، وأمكن أن يكون ذلك منه على غير تكذيب القول من فرعون ولكنه قال ذلك ؛ لما أنه](٤) حقيق على كل أحد أكرمه الله بالرسالة واختاره لها ألا يقول على الله إلا الحق ، أو أن يقول : إني رسول من ربّ العالمين حقيق على [بعد](٥) ما أكرمني بالرسالة أن لا أقول على الله إلا الحق.
وقوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) : قد ذكرنا ألا يصح الابتداء بهذا إلا بعد أن يسبق من فرعون كلام خرج ذلك الكلام من موسى جوابا لما كان منه ، وهو ما قال أهل التأويل : [أنه قال له : لما قال : إني رسول من رب العالمين إليك ـ : كذبت ؛ لم يرسلك إلينا ، وكلاما نحو هذا ؛ فعند ذلك قال : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أي ما كان ينبغي لي أن أقول على الله الكذب وهو كما](٦) قال عيسى (٧) : (سُبْحانَكَ ما
__________________
(١) في أ : يوضع.
(٢) في أ : وإن.
(٣) في ب : برسول.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) هو خامس أولي العزم من الرسل الذين أمر الله رسوله محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يصبر كما صبروا : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] وهم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] وقد خلق الله عيسى ـ عليهالسلام ـ من أم بلا أب كما خلق الله آدم ـ عليهالسلام ـ بلا أم ولا أب ، وخلق حواء من ضلع آدم بلا أم ولا أب ، فلله الخلق والأمر تبارك الله أحسن الخالقين : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ ـ