وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
يحتمل : (بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ما يبيّن وحدانية الله تعالى وألوهيته.
ويحتمل : ببينة الرسالة (١) ما يبين أني رسول رب العالمين ، غير كاذب عليه ولا مفتر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : لا تستعبدهم ؛ فإنهم ليسوا بعبيد ، لم يرد إرسالهم معه ، ولكن طلب استنقاذهم من العبودة ؛ كقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٢٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
دل قول فرعون : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أن موسى أراد بقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...) : الآية.
ودل قوله : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أنه [لعنه الله](٢) قد كان عرف أنه ليس بإله ، وعرف عبودة نفسه حيث طلب منه الآية على صدق ما ادعى من الرسالة ، ولو كان عنده أنه إله ، لكان قال لموسى : أنا الإله فمتى أرسلتك ، ولم يطلب منه (٣) الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ).
قال أبو عوسجة الثعبان : الحيّة (٤) : قال : كل حيّة تسمى ثعبانا ، والثعابين جماعة.
__________________
ـ فقد تحصل في رفعه أربعة أوجه ، وهل هو بمعنى فاعل ، أو بمعنى مفعول؟ الظاهر أنه يحتمل الأمرين مطلقا ، أعنى على قراءة نافع وقراءة غيره.
وقال الواحدي ناقلا عن غيره : إنه مع قراءة نافع محتمل للأمرين ، ومع قراءة العامة بمعنى مفعول فإنه قال : (و «حقيق» على هذه القراءة ـ يعني قراءة نافع ـ يجوز أن يكون بمعنى فاعل).
قال شمر : (تقول العرب : حق على أن أفعل كذا).
وقال الليث : (حق الشيء ، معناه : وجب ، ويحق عليك أن تفعله ، وحقيق على أن أفعله ، فهذا بمعنى فاعل) ، ثم قال : (وقال الليث : وحقيق بمعنى مفعول ، وعلى هذا تقول : فلان محقوق عليه أن يفعل.
قال الأعشى :
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته |
|
وأن تعلمي أن المعان موفق |
وقال جرير :
............................... |
|
قصر فإنك بالتقصير محقوق |
ثم قال : (وحقيق على هذه القراءة ـ يعني قراءة العامة ـ بمعنى : محقوق) انتهى ينظر : اللباب (٩ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩).
(١) في أ : الرسل له.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : عنه.
(٤) الحية : اسم يطلق على الذكر والأنثى ، فإن أردت التمييز قلت هذا حية ذكر ، وهذه حية أنثى ، قاله ـ