من آيات رسالته ونبوته ؛ لأنه لا يستفاد إلا بعلم من السماء وخبر منها ، وكذلك هذه الحرف والمكاسب التي تكتسب في الخلق ؛ لأنه لا يعلم إلا بالوحى من السماء ، لكنه ليس بآية على الإشارة ، ولو كان ما أتى به سحرا لكان له آية ؛ لأنه نشأ بين أظهرهم لم يروه اختلف إلى ساحر قط ولا عرفوا (١) أنه تعلم ذلك من أحد ، فدل ذلك أنه من الآية ، لكنه أخرج ذلك عما عرفوا من السحر لما لا أحد يعرف أنه لم يختلف في ذلك ، ولا تعلم من أحد ، فأخرجه عن وسع السحرة وتدبيرهم ؛ ليعرف كل أحد أنه [من](٢) آيات رسالته
__________________
ـ وطء حرام أو عن المحارم فإنها تكون أكثر تأثيرا ـ أعاذنا الله من السحر والساحر ـ وقد ثبت بنقل صحيح أن اليهود صنعوا سحرا لحضرة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وظهر تأثيره في ذاته الجليلة في صور النسيان والتخيل وضعف قوة الجماع وأمثالها ، وكان وقوع هذه الحادثة بعد الرجوع من الحديبية ، في ذي الحجة في آخر السنة السادسة من الهجرة ، وكانت مدة بقاء هذا العارض أربعين يوما في قول وستة أشهر في رواية أخرى ، وعاما في قول ثالث ، حتى كان الرسول ليلة عند عائشة ـ رضي الله عنها ـ فدعا الله وبكى كثيرا ، ونام وقال : «أعندك علم يا عائشة بما قضاه الله تعالى في حقي فيما استفتيت فيه»؟ يعني أجابني إلى ما سألته ، «فقد نزل إلى رجلان من قبله ، فجلس واحد منهما بجواري وجلس الآخر بجوار قدمي ، ثم قال واحد من هذين الرجلين : كيف حال صاحبك؟ ما سبب المرض الذي أصاب هذا الرجل؟ فأجاب الآخر : مسحور ، فقال : من الذي سحر له؟ فأجاب الثاني : لبيد بن الأعصم اليهودي ، فقال في أي شيء سحر له؟ فأجاب الآخر : في مشاطة ـ يعني : في الشعر الذي يسقط في الرأس والذقن أثناء تمشيطهما ـ ووضعه في وعاء طلع نخل ذكر ، فقال : أين وضعه؟ فأجاب الثاني : في بئر ذروان ، وفي رواية أخرى في بئر أردان».
فجاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ومعه بعض الصحابة إلى تلك البئر ، فقال الرسول هذه هي نفس البئر التي أرياني ماءها. ثم استخرجوا السحر من تلك البئر.
وقد جاء في رواية : وجدوا فيها وتر قوس فيه إحدى عشرة عقدة ، ثم نزلت سورتا الفلق والناس ، فكانوا كلما قرءوا آية انحلت عقدة من تلك العقد ، وآيات هاتين السورتين إحدى عشرة آية أيضا.
وفي رواية أخرى : أنهم وجدوا طلع نخل فيه تمثال للرسول مصنوع من الشمع قد ثبتت فيه إبر ، وخيط فيه إحدى عشرة عقدة ، فكانوا يقرءون المعوذتين فكانت العقد تنحل ، وكانوا كلما نزعوا إبرة سكن ألم الرسول صلىاللهعليهوسلم وظهرت الراحة عليه.
وليس ظهور السحر على ذات الرسول صلىاللهعليهوسلم المباركة من الأمور التي تنقص من قدره ، بل إن ظهور السحر فيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من دلائل النبوة ؛ لأن الكفار كانوا يلقبونه بالساحر ، ومن المقرر أن السحر لا يؤثر في الساحر ، وظهور السحر أيضا ، وآلات السحر في مكان خفي لا يعلمه إلا ساحر آخر ـ من شواهد النبوة ، كما أن دفع تأثير السحر وإبطال أثره بدون سحر آخر من براهين النبوة.
والخلاصة : أن تأثير السحر في حضرة الرسول من أجل هذه الحكم والمصالح ، وقد جاءت أحاديث صحيحة في هذا الباب لا تقبل الإنكار. انتهى من مدارج النبوة ينظر كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ١٥٢ ـ ١٥٧).
(٢) سقط في ب.
(١) في ب : عرف.
(٢) سقط في أ.