على كل أحد أن يرحم عدوه إذا كان عاقبته النار والتخليد فيها ، وألا يطلب الانتقام منه بما كان منه بمكانة ، وأن يقال : ولو تراهم إذ وقفوا على النار من الذل والخضوع لرحمتهم بما كان منهم من التكبر والاستكبار في الدنيا ، وهو كقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآية [السجدة : ١٢] ، أخبر عن ذلهم وخضوعهم في الآخرة بما كان منهم في الدنيا من الاستكبار والاستنكاف ؛ فعلى ذلك يخبر نبيّه عمّا يصيبهم من الذلّ بتكبرهم في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
تمنوا عند معاينتهم العذاب العود والرد إلى الدنيا. ثم فيه دليلان :
أحدهما : أنهم عرفوا أن ما أصابهم [إنما أصابهم](١) بتكذيبهم الآيات وتركهم الإيمان ، حيث قالوا : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا).
والثاني : أن الإيمان هو التصديق الفرد (٢) لا غير ؛ لأنهم إنما فزعوا عند معاينتهم العذاب فتمنوا (٣) الرد والعود إلى الدنيا (٤) ؛ لأن يكونوا من المؤمنين ، [و] لم يفزعوا إلى شيء آخر من الخيرات ـ دل أن الإيمان هو التصديق الفرد لا غير ، وأنه ضد التكذيب ، والتكذيب هو فرد فعلى ذلك التصديق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ).
قيل فيه وجوه (٥) :
قال بعضهم : قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [الأنعام : ٢٥] إنما (٦) نزل في المنافقين ، يدل على ذلك قوله : (بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) ، وهو سمة أهل النفاق أنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين ، ويضمرون الخلاف ، ويخفون العداوة لهم.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) رؤساؤهم كانوا عرفوا في الدنيا أنه رسول ، وأن ما (أنزل) (٧) عليه هو من ربه (٨) ، وعرفوا أن البعث حق ، لكنهم أخفوا ذلك على أتباعهم ، وستروه ، ثم ظهر ما كانوا يخفون على أتباعهم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : : المفرد.
(٣) في ب : : تمنوا.
(٤) في ب : إلى الإيمان.
(٥) في ب : بوجوه.
(٦) في أ : إنها.
(٧) في ب : نزل.
(٨) في ب : الله.