__________________
ـ شريعته التي بعثه الله بها لا تحريف فيها ولا تبديل كما دل عليها القرآن.
ففي توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات يقول الله تعالى في خطابه لموسى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)[طه : ١٤] وقوله (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)[الشعراء : ١٦](قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)[الشعراء : ٢٣ ، ٢٤](يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[النمل : ٩] والإيمان بالله وأسمائه وصفاته يستلزم الإيمان بملائكته وكتبه ورسله : (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)[البقرة : ٢٨٥] وفي الإيمان باليوم الآخر والجزاء والحساب يقول تعالى مخاطبا موسى ـ عليهالسلام ـ : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى)[طه : ١٥ ، ١٦](مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى)[طه : ٥٥] وهذا تقرير للإيمان بالبعث وهو من خطاب موسى لفرعون. وفي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة. (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)[الأعراف : ١٥٦](وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس : ٨٧].
وقال الله في الحج مخاطبا خليله إبراهيم عليهالسلام : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج : ٢٧] والمراد بالناس عموم الناس من زمن إبراهيم وما بعده إلى يوم القيامة كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)[آل عمران : ٩٧] ولو لم يكن الحج مشروعا لعموم الناس من زمن إبراهيم إلى ما شاء الله لكان البيت من بعد إبراهيم إلى مجيء الإسلام مهجورا ، وليس كذلك. والمقصود بيان أصل دعوة موسى وأصل شريعته كما بينها القرآن.
ولقد دعا موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ فرعون وقومه بالرفق واللين كما أمرهما الله عزوجل : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)[طه : ٤٣ ، ٤٤] وأقاما الحجة بعد الحجة والآية بعد الآية مما أيدهما الله به من المعجزات ، (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ. قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)[الأعراف : ١٠٤ ، ١٠٨] وهكذا كان موسى ـ عليهالسلام ـ يناظر فرعون وقومه بالحق والدليل الواضح بينما كان فرعون وقومه يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الزخرف : ٤٨] و (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)[الأعراف : ١٣٢] ولقد يئس موسى عليهالسلام من إيمان فرعون وملئه ومن استجابتهم لدعوته (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ)[الدخان : ٢٢] فاستجاب الله سبحانه لنبيه وكليمه موسى عليهالسلام ، فأمره الله بالخروج بقومه الذين آمنوا به من مصر باتجاه البحر فانفتح لهم فيه طريق يبس سار فيه موسى ومن معه ، وأتبعهم فرعون وقومه حتى إذا ما توسطوا في البحر أطبقه الله عليهم وأغرقهم جميعا ، ونجى الله موسى وقومه قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ* وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى)[طه : ٧٧ ، ٧٩]
ينظر : رسالة الشرائع السابقة ومدى حجيتها في الشريعة الإسلامية ص (٦٢ ، ٦٥). ـ