وقوله ـ عزوجل ـ : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ).
قيل (١) : إلى الدنيا.
وقيل : إلى المحنة من حيث لا يحتمل كون الدنيا بعد كون الآخرة ، لكن هذا تكلف تحقيق مراد قوم ظهر سفههم ، ولعله ليس عندهم هذا التمييز ، أو يقولون سفها كما قالوا كذبا بقوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ (بِآياتِ رَبِّنا).
قال الحسن : بدين ربنا.
وقال قوم : بحجج ربنا (٢) ، فيكون في الآية اعتراف أنهم على التعنت كذبوا في الأوّل لا على الجهل ، وإن كان ثم آيات عاندوها ، وهم قوم قد سبق من الله الخبر عنهم مما فيه العناد منهم ؛ كقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ، وذلك يدل على تعنتهم في القول ؛ ليتخلصوا عما بلوا بجميع ما يحتمل وسعهم ، لا أن ذلك كذلك في قلوبهم ؛ لذلك ـ والله أعلم ـ قال الله ـ تعالى ـ (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
ثم دل قوله : (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أنهم قد عرفوا أن الإيمان هو التصديق لوجهين :
أحدهما : أنهم جعلوا الإيمان مقابل التكذيب ؛ ليعلم أنه التصديق.
والثاني : أنهم ذكروا الآيات ، والآيات يكذب بها ويصدق لا أن يعمل.
وبعد ، فإن الذي في حد إمكان الإتيان مما فات هو التصديق ؛ إذ مشكلة الغير لو توهم الأمر ليوجد ما سبق من الترك والتصديق لو أمر ، فهو لما سبق من التكذيب على أنه أجمع ألا يؤمر من آمن بقضاء شيء مما فات ، فثبت أنهم أرادوا به التصديق ، وفيه [أنه](٣) اسم لذلك حتى عرفه أهله وغير أهله معرفة واحدة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) [قيل فيه بوجوه فقال بعضهم : إنه](٤) يخرج على أوجه :
أحدها : على أن الآية في أهل النفاق أظهرت ما قد أضمروا من الكفر.
والثاني : أن تكون الآية في رؤساء الكفرة العلماء بالبعث ، وبأن الرسل تكون من
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٥ / ١٧٤) ، والرازي في تفسيره (١٢ / ١٥٨) ، وابن عادل في اللباب (٨ / ٩٠).
(٢) ذكره ابن جرير (٥ / ١٧٤).
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.