وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) يحتمل أن يكون قوله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) ما ذكر على إثره من الغرق : (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ).
ويحتمل أن يكون قوله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) من الطوفان وأنواع العذاب الذي كان حل بهم ، ثم كان الإغراق من بعد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
يحتمل الآيات التي جاء بها موسى على وحدانية الله تعالى وربوبيته ، وهي الحجج والآيات التي تقدم ذكرها من الطوفان والجراد والقمل ، وما ذكر.
وقال الحسن : بآياتنا : ديننا.
وقوله : (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) قيل (١) : معرضين مكذبين بها ، لا أنهم كانوا على غفلة وسهو عنها ، لكنهم أعرضوا عنها مكابرين معاندين كأنهم غافلين عنها ، وجائز أن يكون : غافلين عما يحل بهم من العقوبة بتكذيبهم.
وقوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا).
هو ما سبق من الوعد لهم بوراثة الأرض ، وإنزالهم فيها ، وهو قوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٢٩] ، وكقوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) [القصص : ٥] ، كان وعدهم الاستخلاف والإنزال في أرض عدوّهم ، ثم أخبر أنه أنزلهم وأورثهم على ما وعدهم بقوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) باستعبادهم [وقوله :](٢)(مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) قيل : فيه بوجوه :
قيل (٣) : مشارق الأرض ومغاربها : مملكة فرعون مصر ونواحيها ، ما يلي ناحية الشرق وناحية الغرب.
وقيل : كان في بني إسرائيل من بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها من نحو ذي القرنين (٤) ، وداود ، وسليمان.
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٩٣) وكذا أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٧٥).
(٢) سقط في أ.
(٣) انظر تفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥٧٢) وتفسير البحر المحيط (٤ / ٣٧٥).
(٤) هو الإسكندر بن داري ، وفي تسميته بذلك خلاف ؛ فقيل : لأنه كان له ضفيرتان من الشعر. وقيل : لأنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات ثم أحياه الله تعالى. وحكى عليّ ـ رضي الله عنه ـ قصته كذا ، ثم قال : «وفيكم مثله» قالوا : فنرى أن يكون عنى نفسه ؛ لأنه ضرب ضربتين : ضربة يوم الخندق ، وضربه ثانيا ابن ملجم ، لعنه الله. وقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إن لك بيتا في الجنة وإنك ذو قرنيها» أي : طرفي الجنة ، وقال أبو عبيد : أحسب أنه أراد الحسن ـ