وقال غيره من أهل التأويل (١) : الليل والنهار في الحقيقة ما يكشف عما استتر من الأبصار : أبصار الوجوه ، وأبصار القلوب.
والظلم ما يستر ويغطي على الأبصار : أبصار الوجوه ، وأبصار القلوب ، فالظلمة تجعل كل شيء مستورا عليه ، والنور يجعل كل شيء كان مستورا عليه ظاهرا باديا ، هذا هو تفسير الظلمة والنور حقيقة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) قيل (٢) : يشركون مع ما بيّن لهم ما يدل على وحدانية الرب وربوبيته ، أي : جعلوا كل ما يعبدونه دون الله عديلا لله ، وأثبتوا المعادلة بينه وبين الله ـ تعالى ـ وليس لله ـ تعالى ـ عديل ، ولا نديد ، ولا شريك ، ولا ولد ، ولا صاحبة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقال الحسن : (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي : يكذبون (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) أي : خلق آدم أبا البشر من طين ، فأما خلق بني آدم من ماء ؛ كقوله تعالى : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)(٤) [المرسلات : ٢٠] أخبر الله ـ تعالى ـ أنه خلق آدم من الطين ، وخلق بني آدم ـ سوى عيسى عليهالسلام ـ من النطفة ، وخلق عيسى ـ عليهالسلام ـ لا من الطين ولا من الماء ؛ ليعلموا أنه قادر على إنشاء الخلق لا من شيء ، وأنه لا اختصاص للخلق بشيء ، ولا ينكرون ـ أيضا ـ إنشاء الخلق وإحياءهم وموتهم ، وذلك لأنه لا يخلو ؛ إما أن صاروا ترابا أو ماء ، أو لا ذا ولا ذا ، فإذا رأوا أنه خلق آدم من الطين ، وخلق سائر الحيوان من الماء ، وخلق عيسى ـ عليهالسلام ـ لا من هذين ، كيف أنكروا إنشاء الخلق بعد الموت ، وهو لا يخلو من هذه الوجوه التي ذكرنا ؛ فيكون دليلا على منكري البعث (٥) بعد الموت ،
__________________
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٥ / ١٤٣) (١٣٠٤٣) عن السدي قال : الظلمات ظلمة الليل ، والنور نور النهار.
وذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ١٤٥) (١٣٠٤٧) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وانظر التفسير الكبير للرازي (١٢ / ١٢٦).
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة بنحوه.
(٤) ثبت في الأصول : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنون : ١٢].
(٥) البعث ، ويقال له : النشر ، والمعاد وهو مصدر ميمي ، مأخوذ من العود ، وأصل المعاد معود ، نقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها وهو العين ، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها بحسب الأصل ـ