ذلك ما روي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الدنيا جنة الكافر ، يلعب فيها ويركض (١) في أمانيها ، وسجن المؤمن ، وراحته بالموت» (٢).
وأصله : أنها سجن المؤمن ؛ لأن المؤمن يمنعه دينه من قضاء شهواته لما يخاف هلاكه ، ويحذره مما يفضي به إلى الهلاك ، والكافر لا يمنعه شيء من ذلك عما يريد من قضاء شهواته في الدنيا ، فتكون (٣) له كالجنة ، وللمؤمن كالسجن ، على ما ذكرنا.
ويحتمل [قوله](٤) وجها آخر : وهو أن الكافر عند الموت يعاين مكانه وما أعدّ له في النار ، فتصير عند ذلك الدنيا كالجنة له يكره الرجوع ، والمؤمن يعاين موضعه في الجنة ، فتصير (٥) كالسجن له (٦).
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً).
قيل (٧) : سميت القيامة ساعة لسرعتها ، ليست كالدنيا ؛ لأن في الدنيا يتغير فيها على المرء الأحوال ، يكون نطفة ، ثم يصير علقة ، ثم مضغة ، ثم يصير خلقا آخر ، ثم إنسانا ثم يكون طفلا ثم رجلا يتغير عليه الأحوال ، وأما القيامة فإنها لا تقوم على تغير الأحوال فسميت الساعة لسرعتها بهم.
وقيل (٨) : سميت القيامة الساعة لأنها تقوم في ساعة ، وهو كقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ
__________________
ـ الغرغرة وللخواص في محل الحياة إذ لو كشف لهم الغطاء لما ازدادوا يقينا فما هو للمؤمنين بعد الكشف من محبة لقاء الله فهو للموقن في حياته لكمال الكشف له مع وجوب حجاب الملك الظاهر.
ينظر فيض القدير للمناوي (٦ / ٢٩ ـ ٣٠).
(١) ارتكض فلان في أمره : اضطرب ومنه قول بعض الخطباء : انتفضت مرته ، وارتكضت جرته. وكذا ارتكض الولد في البطن : اضطرب. وارتكض الماء في البئر : اضطرب. وكل ذلك مجاز. ومنه أيضا : ارتكض فلان في أمره : تقلب فيه وحاوله. وهو في معنى الاضطراب.
ينظر تاج العروس (١٨ / ٣٥٩)
(٢) لم أجده بهذا اللفظ ولكن أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) في كتاب الزهد (١ / ٢٩٥٦) والترمذي (٤ / ٤٨٦) في كتاب الزهد باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن (٢٣٢٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٧٨) في كتاب الزهد باب مثل الدنيا (٤١١٣) عن أبي هريرة بلفظ (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) واللفظ لمسلم. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر وسلمان الفارسي.
(٣) في ب : فيكون.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : فيصير.
(٦) الدنيا سجن المؤمن ؛ لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة ؛ فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة ينظر فيض القدير للمناوي (٣ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧).
(٧) ذكره بمعناه الرازي في تفسيره (١٢ / ١٦٣) ، وابن عادل في اللباب (٨ / ١٠٢).
(٨) قال الرازي في تفسيره (١٢ / ١٦٣) : الساعة هي الوقت الذي تقوم القيامة سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة لا يعلمها أحد إلا الله تعالى ، وانظر تفسير الخازن (٢ / ٣٧٠).