تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٣٥)
قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) هذا ـ والله أعلم ـ إخبار منه نبيه ـ عليهالسلام ـ أنه عن علم منه بتكذيبهم إياك بعثك إليهم رسولا ، وأمرك بتبليغ الرسالة إليهم ، وكان عالما بما يلحقك من الحزن بتكذيبهم إياك ، ولكن بعثك إليهم رسولا مع علم منه بهذا كله لتبلغهم ، يذكر هذا ـ والله أعلم ـ ليعلم رسوله ألا عذر له في ترك تبليغ الرسالة ، وإن كذّبوه في تبليغها.
ثم الذي يحمله على الحزن يحتمل وجوها :
يحتمل : يحزنه افتراؤهم وكذبهم على الله.
أو كان يحزن لتكذيب أقربائه وعشيرته إياه فإذا أكذبته (١) عشيرته ، انتهى الخبر إلى الأبعدين فيكذبونه ، فيحزن لذلك.
أو يحزن حزن طبع ؛ لأن طبع كل أحد ينفر عن التكذيب.
أو كان يحزن إشفاقا عليهم بما ينزل عليهم (٢) من العذاب بتكذيبهم إياه وآذاهم له ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ...) الآية [الكهف : ٦] وكقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) اختلف في تلاوته : قرأ بعضهم بالتخفيف (٣) ، وبعضهم بالتشديد والتثقيل (٤) :
فمن قرأ بالتخفيف : قراءة (لا يُكَذِّبُونَكَ) ، أي : لا يجدونك كاذبا قط.
ومن قرأ بالتثقيل : (لا يُكَذِّبُونَكَ) ، أي : لا ينسبونك إلى الكذب ، ولا يكذبونك في نفسك (٥).
__________________
(١) في ب : كذبه.
(٢) في ب : لهم.
(٣) وهما نافع والكسائي.
(٤) وهم باقي السبعة وهي قراءة علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عن الجميع.
ينظر : الدر المصون (٣ / ٤٨) ، البحر المحيط (٤ / ١١٦) ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد (٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦) ، الحجة لأبي زرعة ص (٢٤٧ ـ ٢٤٩) السبعة ص (٢٥٧) ، النشر (٢٥٧ ـ ٢٥٨) ، التبيان (١ / ٤٩١) ، الزجاج (٢ / ٢٦٦) ، المشكل (١ / ٢٥١) ، الفراء (١ / ٣٣١) ، الحجة لابن خالويه ص (١٣٨).
(٥) قال الزمخشري في الكشاف (٢ / ١٨) (لا يكذبونك) قرئ بالتشديد والتخفيف ، من كذبه إذا جعله كاذبا في زعمه ، وأكذبه إذا وجده كاذبا ، والمعنى : أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات ، فهم لا يكذبونك في الحقيقة ، وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، فاله عن ـ