ويحتمل قوله : ولا يكذبونك في السر ، ولكن يقولون ذلك في العلانية ، والتكذيب هو أن يقال : إنك كاذب.
(وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ).
أي : عادة الظالمين التكذيب بآيات الله.
و (الظَّالِمِينَ) يحتمل وجهين :
أحدهما : الظالمين على نعم الله عادتهم التكذيب بآيات الله.
[الثاني] والظالمين على أنفسهم ؛ لأنهم وضعوها في غير موضعها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا).
يخبر نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويصبره على تكذيبهم إياه وأذاهم بتبليغ الرسالة ، يقول : لست أنت بأول مكذب من الرسل ، بل كذب إخوانك من قبلك على تبليغ الرسالة ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا ، ولم يتركوا تبليغ الرسالة مع تكذيبهم إياهم ؛ فعلى ذلك لا عذر لك في ترك تبليغ الرسالة وإن كذبوك في التبليغ وآذوك ، وهو ما ذكرنا أنه يخبره أنه بعثك رسولا على علم منه بكل الذي كان منهم من التكذيب والأذى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا).
أخبر الله أنه نصر رسله ، ثم يحتمل ذلك (النصر) وجوها.
أحدها : ينصرهم أي : أظهر حججه وبراهينه ، حتى علموا جميعا أنها هي الحجج
__________________
ـ حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق ، وقيل : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [الأنعام : ٣٣] لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ولكنهم يجحدون بآيات الله.
وذكر أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ١١١) مثل ذلك فقال : قيل هما بمعنى واحد ، نحو «كثر وأكثر» وقيل بينهما فرق ، حكى الكسائي أن العرب تقول : «كذبت الرجل» إذا نسبت إليه الكذب ، و «أكذبته» إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه.
وتقول العرب أيضا : «أكذبت الرجل» إذا وجدته كذابا كما تقول «أحمدت الرجل إذا وجدته محمودا».
فعلى الفرق يكون معنى التخفيف لا يجدونك كاذبا أو لا ينسبون الكذب إليك ، وعلى معنى التشديد يكون إما خبرا محضا عن عدم تكذيبهم إياه والمراد بعضهم ، وإما أن يكون نفي التكذيب لانتفاء ما يترتب عليه من المضار ، فكأنه قيل : لا يكذبونك تكذيبا يضرك ؛ لأنك لست بكاذب ، فتكذيبهم كلا تكذيب.
وحكى قطرب «أكذبت الرجل» دللت على كذبه.
وفي الصحاح (٢ / ٣٨١) «كذب» : أكذبت الرجل : ألفيته كاذبا ، وكذبته إذا قلت له : كذبت وقال الكسائي : أكذبته إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه و «كذبته» إذا أخبرت أنه كاذب.
وقال ثعلب : «أكذبه وكذبه» بمعنى ، وقد يكون «أكذبه» بين كذبه ، وقد يكون بمعنى حمله على الكذب وبمعنى وجده كاذبا.