الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥] أخبر أن الذكرى تنفع المؤمنين ولا تنفع غيرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) :
اختلف فيه ؛ قال بعضهم : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) [أنه](١) على الابتداء ؛ يبعثهم الله ثم إليه يرجعون. وقال قائلون : أراد بالموتى الكفار (٢) ، سمي الكافر ميتا والمؤمن حيّا في غير موضع من القرآن (٣) ؛ كقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] ، فهو ـ والله أعلم ـ أن جعل لكل بشر سمعين وبصرين وحياتين ؛ سمع أبدي في الآخرة ، وبصر (٤) أبدي في الآخرة ؛ وكذلك جعل لكل أحد حياتين : حياة [أبدية في](٥) الآخرة ، وحياة منقضية وهي حياة الدنيا ؛ وكذلك سمع أبدي وهو سمع الآخرة ، وسمع ذو مدة لها انقضاء وهو سمع الدنيا ، ثم نفى السمع والبصر والحياة عمن لم يدرك بهذا السمع والبصر والحياة التي جعل له في الدنيا ، ولم يقصد سمع الأبدية وبصر الأبدية والحياة الأبدية ؛ لأنه إنما جعل لهم هذا في الدنيا ؛ ليدركوا بهذا ذاك (٦) ؛ وكذلك العقول التي ركبت في البشر إنما ركبت ليدركوا بها ويبصروا ذلك الأبدي ، وإلا لو كان تركيب هذه العقول في البشر لهذه الدنيا خاصة ، لا لعواقب تتأمل للجزاء والعقاب ـ فالبهائم قد تدرك (٧) بالطبع ذلك القدر ، وتعرف ما يؤتى ويتقى ، وما يصلح لها [....](٨) ؛ فدل أن تركيب العقول فيمن ركب إنما ركب لا لما يدرك هذا ؛ إذ يدرك ذلك المقدار بالطبع من لم يركب فيه وهو البهائم التي ذكرنا.
والسمع والبصر والحياة قد جعلت في الدنيا لمعاشهم ومعادهم ؛ وكذلك جعل لهم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ١٨٥) (١٣٢٠٩ ، ١٣٢١٠) عن مجاهد ، (١٣٢١١) عن قتادة ، (١٣٢١٢ ، ١٣٢١٣) عن الحسن البصري وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٩) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الحسن البصري ولعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد. ولعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
(٣) عند قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٨] وقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٢٢].
(٤) زاد في ب : له.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : ذلك.
(٧) في ب : يدرك.
(٨) بياض بالأصول مقدار كلمتين مطموستين.