__________________
ـ والممكن ، بحيث لو زال الوجود في الممكن بقيت ذاته المخصوصة ، وعلى ذلك فالمعدوم شيء له تقرر وثبوت ، وقد استدلوا على ذلك بما يلي :
أولا : لو كان الوجود عين الموجود لما أفاد الحمل ، وكان قولنا : السواد موجود بمنزلة السواد سواد أو الموجود موجود.
ثانيا : أننا نعقل الماهية مع الشك في وجودها كالمثلث مثلا ؛ فإننا نفهم ماهيته وحقيقته بدون أن نتحقق وجوده ؛ لأنه عبارة عن سطح وخط ، وهما وهميان. وهذه أدلة زيادته في الممكن ، ولهم أيضا أدلة على زيادته في الواجب.
القول الثالث : وبه قال بعض الحكماء ، حيث ذهبوا إلى أن الوجود عين الموجود في الواجب ، وهو زائد في الممكن ، وهذا القول وسط بين القولين السابقين ؛ حيث وافق القول الأول في اعتبار الوجود عين الموجود في الواجب ، ووافق القول الثاني في اعتبار الوجود زائدا عن الموجود في الممكن.
والحقيقة أن هذه الأقوال الثلاثة لا تصمد للمناقشة ، وهي منقوضة بما ورد عليها من اعتراضات ، إلا أن إيراد هذه الاعتراضات وتفصيلها لا يتسع له المجال هاهنا ، وإنما الذي يعنينا هاهنا هو التأكيد على أنه يتفرع على مذهب المعتزلة أمران :
أولا : أن المعدوم الممكن شيء ؛ لأن الماهية عندهم غير الوجود ؛ معروضة له وقد تخلو عنه.
ثانيا : أن المعدوم متميز ؛ لأنه متصور ، ولا يمكن التصور بدون تميز ، وكل متميز ثابت ، بخلاف مذهب الأشاعرة ؛ فإنه يتفرع عليه أمران ـ أيضا ـ ولكنهما يناقضان ما ترتب على مذهب المعتزلة ؛ أحدهما : أن المعدوم الممكن ليس شيئا ، بل هو نفي محض ، ثانيهما : أن المعدوم الممكن ليس له تميز ولا ثبوت.
وقد يعترض معترض بأن هذا الخلاف لا طائل تحته ؛ لأنه إن كان المقصود بكون المعدوم شيئا أنه موجود في الخارج فهذا أمر متفق على نفيه ؛ لأنه لا يعقل ذلك ، وإن كان المقصود أنه موجود في الذهن ، أي : متصور فيه ، فهذا أيضا أمر متفق على ثبوته ؛ لأن الممتنعات الصرفة لها هذا الوجود ، فلا ينكر الأشعري أن العدم شيء بهذا المعنى.
ويجاب عن هذا الاعتراض بأن المعتزلة يقررون أن المعدوم بعد الوجود له تقرر وثبوت أرقى من الوجود الذهني ، فهو وجود وسط بين النفي المحض وبين المحسوس ، فله تحقق في نفسه بغض النظر عن الذهن ، وأما الأشاعرة فيقولون : إنه عدم محض ليس له تقرر وثبوت.
أدلة المثبتين للإعادة والنافين لها :
أولا : أدلة أهل السنة وبعض مشايخ المعتزلة القائلين بالإعادة من العدم :
يعترف هؤلاء بأن هناك عدما أول ووجودا أول ، وإمكان عدم ثان مع إمكان وجود ثان عن هذا العدم ، وأدلتهم على ذلك تتمثل فيما يلي :
الدليل الأول : لو امتنع وجود المعدوم ثانيا لذاته أو للازمه ، لكان من باب أولى أن يمتنع وجوده أولا ، لكن لما ثبت وجود المعدوم أولا ـ حيث خلق الله الخلق من العدم ـ ثبت إمكان وجود المعدوم ثانيا.
وقد اعترض على هذا الدليل بأمرين :
أحدهما : أنه لا يلزم من امتناع الوجود الثاني امتناع الوجود الأول ، وبالتالي لا يكون في ثبوت إيجاد الخلق من العدم ـ وهو الوجود الأول ـ دليل على جواز الوجود الثاني.
ويعتمد هذا الاعتراض على أن الوجود الأول أعم من الوجود الثاني ؛ لأن الوجود الأول وجود بعد عدم سابق ، أما الوجود الثاني فهو وجود بعد عدم طارئ ؛ إذن فالوجود الأول أعم والوجود ـ