كان فرحا عند الرحمة [والنعمة](١) ، وعند الشدة والبلاء كفورا حزينا ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) [هود : ٩]. ومنهم : من كان لا يخضع ولا يتضرع في الأحوال كلها ، لا عند الشدة والبلاء ، ولا عند الرخاء والنعمة ، ويقولون : إن مثل هذا يصيب غيرنا ، وقد كان أصاب آباءنا ، [وهم] كانوا أهل الخير والصلاح ؛ وهو كقوله : (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) [الأعراف : ٩٥] : كانوا على أحوال مختلفة ، ومنازل متفرقة ؛ فيشبه أن يكون قوله : فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قلوبهم قست : في القوم الذين لم يتضرعوا عند إصابتهم الشدائد والبلايا.
وجائز أن يكونوا تضرعوا عند حلول الشدائد ، فإذا انقطع ذلك وارتفع ، عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ كقوله : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ؛ ويشبه أن يكون قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [٤٢] ، وقوله : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] : فيما بينهم وبين ربهم ، وهذا فيما بينهم (٢) ، وبين الرسل ؛ لأن الرسل كانوا يدعونهم (٣) إلى أن يقروا ، ويصدقوهم فيما يقولون لهم ويخبرون ، فتكبروا عليهم ، وأقروا لله وتضرعوا إليه ، تكبروا (٤) عليهم ولم يتكبروا على الله.
ويحتمل أن يكون قوله : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) : في الأمم السالفة إخبار منه (٥) أنهم لم يتضرعوا.
ويحتمل قوله أيضا : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) وجهين :
أحدهما : أنهم لم يتضرعوا إذ جاءهم بأس الله ، ولكن عاندوا وثبتوا على ما كانوا عليه.
والثاني : تضرعوا عند نزول بأسه ؛ لكن إذا ذهب ذلك وزال عادوا إلى ما كانوا ، فيصير كأنه قال : فلولا لزموا التضرع إذ جاءهم بأسنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أي : زين لهم صنيعهم الذي صنعوا ، ويقولون : إن هذا كان يصيب أهل الخير ، ويصيب آباءنا وهم كانوا أهل خير وصلاح.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) زاد في أ : وبين ربهم.
(٣) في ب : يدعون.
(٤) في ب : تكبرا.
(٥) في ب : منهم.